وليد الزامل

التخطيط العمراني بين الحلول الارتجالية والسياسات الانفعالية!

السبت - 19 فبراير 2022

Sat - 19 Feb 2022

أشرت في مقال سابق أن تطوير الخطط العمرانية يقتضي تحليلا شاملا لمتطلبات التنمية العمرانية وفقا للموارد المتاحة والمستهدفات المرجوة ضمن إطار زمني محدد. هذا التحليل يمر بمراحل تبدأ من استيعاب عميق لمستهدفات الرؤية الوطنية 2030 ومقاربتها بالوضع الراهن على المستوى الإقليمي، والمحلي (المدن)، وحتى الأحياء السكنية. ويقتضي ذلك رسم السياسات التي تحدد الاتجاه المستقبلي للخطة العمرانية وتحديد الأدوات والوسائل اللازمة لتنفيذها وصولا للأهداف.

وعليه توصف إجراءات التخطيط بكونها عملية «مرنة» ذات أبعاد شمولية نظرا لتنوع مدخلاتها الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، والقانونية وقدرتها على استيعاب المتغيرات الجديدة وفقا للظروف المكانية والزمانية. كما يتسم التخطيط بوصفه عملية «منظمة» وليست «ارتجالية» فالتخطيط والتخبط لا يجتمعان وهما على طرفي نقيض.

إن الباحث الحصيف لمسار الخطط والتوجهات الاستراتيجية المحلية للمدن خلال العقود الماضية يجد أنها جاءت لتركز على المشكلة في نطاق محلي دون ربطها بالأسباب في سياقاتها الإقليمية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وعلاوة على ذلك، فالعديد من تلك السياسات العمرانية تم صياغتها كردود أفعال سريعة لمشاكل آنية وليست كنموذج قادر على استقراء التحديات المستقبلية، وهكذا أفرزت هذه السياسات العمرانية حلولا لم تكن مرتبطة في معظم الأحوال بسياسات تنفيذية ولم تخضع للتقويم وتحليل مكامن القوة والضعف ضمن إطار حوكمة يضمن تحقيق المستهدفات. والثابت في القول إن المخطط العمراني ينظر إلى الإشكالية بمدى شمولي وعميق وليس سطحيا ليستوعب بذلك آثارها ضمن نطاق زمني بعيد المدى.

وحتى لا يكون حديثي نظريا لعلي أسوق لكم ثلاث دلالات عملية حول طبيعة التدابير المتخذة لمعالجة القضايا العمرانية خلال العقود الماضية:

أولا: جاءت العديد من الحلول الإسكانية لمحاولة تعزيز القدرة الشرائية للمستفيدين من خلال برامج التمويل المباشر أو قروض الدعم أو بناء مشاريع الإسكان العاجل. كما اتسمت بعض الحلول الإسكانية بكونها ردود أفعال سريعة لمحاولة تمكين الأسر محدودة الدخل من خلال تعديل اشتراطات البناء والسماح ببناء وحدات سكنية صغيرة الحجم (دبلوكسات) أو عمارات سكنية متعددة الأدوار تحتوي على شقق لاستيعاب حجم الطلب المتزايد على الإسكان. وأسهمت هذه الحلول الارتجالية في زيادة الكثافة السكانية وحجم التدفقات المرورية ونقص مواقف السيارات. وفي مقابل ذلك، لم توفر هذه الحلول أي تدابير عملية لمعالجة (أسباب) ارتفاع أسعار العقارات السكنية والأراضي أو اقتراح حلول عملية لتنظيم السوق الإسكاني ومنع الاحتكار.

ثانيا: خلال العقود الخمسة الماضية تنامت العديد من المناطق العشوائية وخاصة في مكة المكرمة وجدة دون وجود حلول عملية لاستقصاء (أسباب) المشكلة ومحاولة إيجاد برامج وقائية لكبح هذا التمدد العشوائي، وجاءت معظم الحلول لتعالج أعراض المشكلة في نطاق (فيزيقي) يلامس التشوه البصري ومحاولة إخفاء المناطق العشوائية عن الأنظار أو تحسينها بصريا دون إيجاد برامج لتنمية المجتمع، ومعالجة الفقر الحضري، وتحسين أساليب المعيشة للارتقاء بهذه المناطق، ودمجها ضمن السياق الحضري.

ثالثا: جاءت معظم الحلول المتعلقة بتخطيط النقل لتركز على المركبات وصممت بذلك الطرق الواسعة التي شجعت على السرعة وأسهمت في زيادة الحوادث. وجاءت الحلول مرة أخرى لتعالج ظواهر المشكلة وليس (أسباب) المشكلة فمثلا السرعة وحوادث دهس الأطفال في المدارس تم علاجها من خلال استخدام مهدئات السرعة دون النظر إلى أصل المشكلة والمتمثلة في سوء توزيع الخدمات التعليمية والمناطق التجارية وعدم وجود مسارات آمنة للمشاة مرتبطة بالوحدات السكنية وبعيدة عن حركة الآليات.

وختاما، فإن التوجه نحو معالجة ظواهر المشكلة ليس قضية سلبية بالمطلق ففي كثير من الأحيان نحتاج إلى حلول وقتية وسريعة لمشكلة قائمة لا نستطيع تقصي مكامنها بدقة أو يصعب علينا ذلك ضمن إطار زمني محدد، ولكن ما أعنيه هو ألا يكون منهج التخطيط العمراني لدينا مبنيا على أساس الحلول الارتجالية والسياسات الانفعالية!

@waleed_zm