ماذا يدور بين الصين وأمريكا والأطلسي؟
الأربعاء - 16 فبراير 2022
Wed - 16 Feb 2022
انضمت الصين إلى روسيا مؤخرا في رفض توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في خطوة تتماهى مع التقارب المتزايد بين بكين وموسكو، وتعكس توجه البلدين لبناء جبهة مشتركة ضد الضغوط الغربية. والحقيقة أن الموقف الصيني حيال «الناتو» لم يأت بشكل مفاجىء، فالعلاقات بين الجانبين تشهد تصعيدا لافتا في السنوات القلائل الماضية، حيث أعرب قادة الأطلسي أكثر من مرة في اجتماعاتهم الأخيرة عن «قلقهم» حيال الطموحات الصينية المتزايدة، معتبرين أنها تمثل تحديا لأسس النظام الدولي، بينما دعت بكين حلف الأطلسي للنظر إلى نمو الصين بعقلانية، والتوقف عن المبالغة بـ «نظرية التهديد الصيني»، وقالت الصين «لن نشكل تحديا ممنهجا لأحد، لكن إذا أراد أحد أن يشكل تحديا لنا فلن نقف مكتوفي الأيدي». وبعد ذلك حاول الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ التخفيف من حدة موقف الحلف بالقول «إن الصين ليست خصمنا أو عدونا لكن علينا أن نواجه التحديات التي تطرحها الصين على أمننا».
ورغم أن بعض الخبراء الأوربيين يرون أن موقف الأطلسي تجاه الصين يمثل انجرارا وراء الموقف الأمريكي، ويعتقد هؤلاء أن الولايات المتحدة تستغل رغبة الناتو في البحث عن هوية وأهداف جديدة تضمن له البقاء في القرن الحادي والعشرين وتقوم بتوجيه الحلف نحو منطقة المحيطين الهندي والهاديء، فإن الحلف يقول إنه لا يمكنه تجاهل التقارير والعلاقات الوثيقة والمتنامية بين بكين وموسكو، خلافا لما يصفه بـ «قوة الصين المتزايدة»، وهي في مجملها أمور طرأت حديثا على التفكير الاستراتيجي للحلف الذي لا تشير عقيدته العسكرية التي تم تبنيها في عام 2010 إلى الصين كتهديد محتمل، ولكن الموقف الأطلسي يتغير تدريجيا حيث يتوقع أن تتضمن المراجعة التي أطلقها الحلف للمفهوم الاستراتيجي القائم بغرض مواجهة التهديدات الجديدة في الفضاء والفضاء الالكتروني، بنودا تتعلق بالصين ولاسيما أن قادة الحلف قد أشاروا في قمتهم الأخيرة إلى أن «طموحات الصين المعلنة وسلوكها المتواصل يشكلان تحديات لأسس النظام الدولي المستند إلى قواعد، وفي مجالات لها أهميتها بالنسبة لأمن الحلف».
ورغم أن تغير نظرة الأطلسي للصين قد بدأ عام 2019 تحديدا حين نص البيان الختامي الصادر عن قمة قادة الحلف في لندن للمرة الأولى في تاريخ الحلف على أن «ميزان القوى يتغير، والصين تقترب منا، نراهم في الفضاء الالكتروني، وفي إفريقيا، ونرى الصين تستثمر بكثافة في بنيتنا التحتية الحيوية نحن بحاجة للرد معا كتحالف»، وفي التقرير السنوي للحلف الصادر في مارس 2021 أشار الحلف إلى أن «النفوذ المتزايد للصين في السياسات الدولية يقدم فرصا وتحديات، نحتاج إلى مواجهتها معا كتحالف»، فإنه لا يمكن إنكار التأثير الأمريكي على موقف الحلف، ولاسيما فيما يتعلق بتشكيل التوجهات الاستراتيجية، وهنا تبرز بعض الجوانب التي تقلق حلف الأطلسي، مثل التطور المذهل في مجالات الذكاء الاصطناعي، حيث تبنى الحلف استراتيجية من 18 بندا اعتبرها الأمين العام الحلف «رد على الأنظمة الاستبدادية والتي تتسابق من أجل تطوير تقنيات جديدة»، موضحا أن «الصراعات المستقبلية لن يتم خوضها فقط بالرصاص والقنابل، بل أيضا بـ»البايت» والبيانات الضخمة. وأن دول الحلف يجب أن تحافظ على تفوقها التكنولوجي.
القاسم المشترك الذي يجمع واشنطن وبقية أعضاء الأطلسي تجاه بكين هو القلق البالغ من التطور الصيني الهائل في مجال أنظمة التسلح التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، حيث استنفرت الولايات المتحدة أبرز عقولها من قادة شركات التكنولوجيا الذين أصدروا تقريرا تضمن نقاطا مهمة مثل كيفية مواجهة طموح الصين لأن تصبح رائدة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، ويقول التقرير إن كبار القادة العسكريين حذروا من أن الولايات المتحدة «قد تخسر تفوقها العسكري والتكنولوجي في السنوات المقبلة» إذا سبقتها الصين في استخدام أنظمة التسلح التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
الخطير في التقديرات الاستراتيجية الأمريكية أنها ترهن القوة العسكرية الأمريكية بالتفوق في مجال الذكاء الاصطناعي، ويقول تقرير رسمي رفع مؤخرا للبيت الأبيض أنه «إذا تفوق منافس ما على الولايات المتحدة في مجال تطوير وإنتاج الشرائح على المدى البعيد، أو إذا تمكن من منعها من الحصول على هذه الشرائح بشكل كامل، فستكون لهذا المنافس اليد العليا في كل مجال من مجالات الحروب». وبينما أمر الرئيس الأمريكي بايدن بإجراء مراجعة لقطاع إنتاج الشرائح في الولايات المتحدة، وتعهد بدعم برنامج ينظر فيه الكونجرس وتبلغ قيمته 37 مليار دولار لتعزيز الإنتاج المحلي لهذه المواد، وتعهدت الصين بالمقابل بأنها «ستدعم بقوة» منتجي الشرائح الصينيين، وقالت إنها تريد أن تنتج 70 في المئة من الشرائح المستخدمة محليا بحلول عام 2025. وهنا تجب الإشارة إلى تقرير صادر من مركز الأمن الأمريكي الجديد، الذراع البحثية للاستخبارات الأمريكية ورد فيه أن الصين «لم تعد في مركز أقل تكنولوجيا بالنسبة للولايات المتحدة، بل أصبحت تنافس بحق ولديها القدرة على التفوق على الولايات المتحدة في مجال الذكاء الصناعي».
الأطلسي قد وضع نفسه طرفا في هذا التنافس الشرس بين الولايات المتحدة والصين رغم إن هناك مساحات واسعة من المصالح المشتركة بين الصين والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الأطلسي، فهناك أعضاء منخرطون في مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، وهناك استثمارات صينية ضخمة في البنى التحتية بدول البلقان ودول جنوب شرق أوروبا في إطار تلك المبادرة، ولكن أيا كان حجم المصالح الأوروبية مع الصين فلن يرقى إلى حجم المصالح الأمريكية الصينية المشتركة، وتكفي الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2020 قد بلغ نحو 586 مليار دولار رغم الحرب التجارية المحتدمة وتأثيرات تفشي وباء «كورونا».
كما لا يمكن تجاهل إحصاءات التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي (غالبيته أعضاء بحلف الناتو) والصين، حيث أطاحت الصين بالولايات المتحدة وتفوقت عليها للمرة الأولى لتصبح الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي في عام 2020، وبلغ حجم تجارة الاتحاد مع الصين 586 دولار، أي نفس حجم التجارة الأمريكية - الصينية، وأكثر بنحو 31 مليار دولار من حجم التجارة الأوروبية مع الولايات المتحدة، وفقا لأرقام «يوروستات»، وبالتالي فإن ضخامة المصالح المتبادلة تجعل من الصعب التخلي عنها بشكل مفاجئ وتفرض ضرورة قراءة كل المتغيرات الحاصلة باعتبارها ضمن التفاعلات الاستراتيجية الدولية الرامية لإعادة تشكيل النظام العالمي في مرحلة ما بعد كورونا.
@drsalemalketbi
ورغم أن بعض الخبراء الأوربيين يرون أن موقف الأطلسي تجاه الصين يمثل انجرارا وراء الموقف الأمريكي، ويعتقد هؤلاء أن الولايات المتحدة تستغل رغبة الناتو في البحث عن هوية وأهداف جديدة تضمن له البقاء في القرن الحادي والعشرين وتقوم بتوجيه الحلف نحو منطقة المحيطين الهندي والهاديء، فإن الحلف يقول إنه لا يمكنه تجاهل التقارير والعلاقات الوثيقة والمتنامية بين بكين وموسكو، خلافا لما يصفه بـ «قوة الصين المتزايدة»، وهي في مجملها أمور طرأت حديثا على التفكير الاستراتيجي للحلف الذي لا تشير عقيدته العسكرية التي تم تبنيها في عام 2010 إلى الصين كتهديد محتمل، ولكن الموقف الأطلسي يتغير تدريجيا حيث يتوقع أن تتضمن المراجعة التي أطلقها الحلف للمفهوم الاستراتيجي القائم بغرض مواجهة التهديدات الجديدة في الفضاء والفضاء الالكتروني، بنودا تتعلق بالصين ولاسيما أن قادة الحلف قد أشاروا في قمتهم الأخيرة إلى أن «طموحات الصين المعلنة وسلوكها المتواصل يشكلان تحديات لأسس النظام الدولي المستند إلى قواعد، وفي مجالات لها أهميتها بالنسبة لأمن الحلف».
ورغم أن تغير نظرة الأطلسي للصين قد بدأ عام 2019 تحديدا حين نص البيان الختامي الصادر عن قمة قادة الحلف في لندن للمرة الأولى في تاريخ الحلف على أن «ميزان القوى يتغير، والصين تقترب منا، نراهم في الفضاء الالكتروني، وفي إفريقيا، ونرى الصين تستثمر بكثافة في بنيتنا التحتية الحيوية نحن بحاجة للرد معا كتحالف»، وفي التقرير السنوي للحلف الصادر في مارس 2021 أشار الحلف إلى أن «النفوذ المتزايد للصين في السياسات الدولية يقدم فرصا وتحديات، نحتاج إلى مواجهتها معا كتحالف»، فإنه لا يمكن إنكار التأثير الأمريكي على موقف الحلف، ولاسيما فيما يتعلق بتشكيل التوجهات الاستراتيجية، وهنا تبرز بعض الجوانب التي تقلق حلف الأطلسي، مثل التطور المذهل في مجالات الذكاء الاصطناعي، حيث تبنى الحلف استراتيجية من 18 بندا اعتبرها الأمين العام الحلف «رد على الأنظمة الاستبدادية والتي تتسابق من أجل تطوير تقنيات جديدة»، موضحا أن «الصراعات المستقبلية لن يتم خوضها فقط بالرصاص والقنابل، بل أيضا بـ»البايت» والبيانات الضخمة. وأن دول الحلف يجب أن تحافظ على تفوقها التكنولوجي.
القاسم المشترك الذي يجمع واشنطن وبقية أعضاء الأطلسي تجاه بكين هو القلق البالغ من التطور الصيني الهائل في مجال أنظمة التسلح التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، حيث استنفرت الولايات المتحدة أبرز عقولها من قادة شركات التكنولوجيا الذين أصدروا تقريرا تضمن نقاطا مهمة مثل كيفية مواجهة طموح الصين لأن تصبح رائدة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، ويقول التقرير إن كبار القادة العسكريين حذروا من أن الولايات المتحدة «قد تخسر تفوقها العسكري والتكنولوجي في السنوات المقبلة» إذا سبقتها الصين في استخدام أنظمة التسلح التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
الخطير في التقديرات الاستراتيجية الأمريكية أنها ترهن القوة العسكرية الأمريكية بالتفوق في مجال الذكاء الاصطناعي، ويقول تقرير رسمي رفع مؤخرا للبيت الأبيض أنه «إذا تفوق منافس ما على الولايات المتحدة في مجال تطوير وإنتاج الشرائح على المدى البعيد، أو إذا تمكن من منعها من الحصول على هذه الشرائح بشكل كامل، فستكون لهذا المنافس اليد العليا في كل مجال من مجالات الحروب». وبينما أمر الرئيس الأمريكي بايدن بإجراء مراجعة لقطاع إنتاج الشرائح في الولايات المتحدة، وتعهد بدعم برنامج ينظر فيه الكونجرس وتبلغ قيمته 37 مليار دولار لتعزيز الإنتاج المحلي لهذه المواد، وتعهدت الصين بالمقابل بأنها «ستدعم بقوة» منتجي الشرائح الصينيين، وقالت إنها تريد أن تنتج 70 في المئة من الشرائح المستخدمة محليا بحلول عام 2025. وهنا تجب الإشارة إلى تقرير صادر من مركز الأمن الأمريكي الجديد، الذراع البحثية للاستخبارات الأمريكية ورد فيه أن الصين «لم تعد في مركز أقل تكنولوجيا بالنسبة للولايات المتحدة، بل أصبحت تنافس بحق ولديها القدرة على التفوق على الولايات المتحدة في مجال الذكاء الصناعي».
الأطلسي قد وضع نفسه طرفا في هذا التنافس الشرس بين الولايات المتحدة والصين رغم إن هناك مساحات واسعة من المصالح المشتركة بين الصين والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الأطلسي، فهناك أعضاء منخرطون في مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، وهناك استثمارات صينية ضخمة في البنى التحتية بدول البلقان ودول جنوب شرق أوروبا في إطار تلك المبادرة، ولكن أيا كان حجم المصالح الأوروبية مع الصين فلن يرقى إلى حجم المصالح الأمريكية الصينية المشتركة، وتكفي الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2020 قد بلغ نحو 586 مليار دولار رغم الحرب التجارية المحتدمة وتأثيرات تفشي وباء «كورونا».
كما لا يمكن تجاهل إحصاءات التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي (غالبيته أعضاء بحلف الناتو) والصين، حيث أطاحت الصين بالولايات المتحدة وتفوقت عليها للمرة الأولى لتصبح الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي في عام 2020، وبلغ حجم تجارة الاتحاد مع الصين 586 دولار، أي نفس حجم التجارة الأمريكية - الصينية، وأكثر بنحو 31 مليار دولار من حجم التجارة الأوروبية مع الولايات المتحدة، وفقا لأرقام «يوروستات»، وبالتالي فإن ضخامة المصالح المتبادلة تجعل من الصعب التخلي عنها بشكل مفاجئ وتفرض ضرورة قراءة كل المتغيرات الحاصلة باعتبارها ضمن التفاعلات الاستراتيجية الدولية الرامية لإعادة تشكيل النظام العالمي في مرحلة ما بعد كورونا.
@drsalemalketbi