أحمد الهلالي

ترهيب الصحوة الخمينية للمثقفين!

الثلاثاء - 15 فبراير 2022

Tue - 15 Feb 2022

بدأت الصحوة الخمينية عام 1979م، وهو التاريخ المشؤوم على المنطقة العربية، فالخمينية تدق طبولها في الخارج، والصحوة السنية تطرح مشروعها في الداخل، وهما مشروعان أيقظا الصراع القديم، فتفجرت ويلاته في المنطقة، وما تزال حرائقه تستعر في الميادين والصدور!

حركات الإسلام السياسي جميعها تهدف لبسط سيطرتها السياسية، لكن بلادنا تنبهت وأسقطت المشروع الصحوي السني مؤخرا، فأصبح في العراء بعد فقده الدعم السياسي، وساهمت السعودية أيضا مع مصر في إسقاط المشروع الإخواني، فنراه يتخبط نازفا بعد أن نبذته المظلات السياسية تباعا، وتبخر حلم الدولة الكبرى التي كان يسعى لإقامتها.

أما المشروع الخميني فما يزال يتمتع بقوة كبرى، بعد أن استطاع بالترهيب والقوة بسط نفوذه على الدول العربية ذات الأنظمة المتهالكة، والبنى الفكرية الثقافية الممزقة، العاجزة عن قراءة المخطط الفارسي، أو المتخاذلة والواهنة عن اتخاذ المواقف والتدابير التي تحمي الأوطان، حتى استطاع الخمينيون اختراقها، وها هي شعوبها تدفع الثمن غاليا بعد أن فرطت في أوطانها بدعاوى ساذجة، أما في منطقة الخليج فقد تنبهت الدول الخليجية إلى المخطط الخميني التوسعي، فجابهته سياسيا واقتصاديا وأمنيا وحتى عسكريا، لكن خطاب الصحوة الخمينية استطاع اختراق بعض المكونات الاجتماعية، فتبنته وما تزال تحتفظ به، ويعلمه المنغمسون في تلك المجتمعات، فمنهم من قاومه ودعا إلى نبذه ومراجعة الموروث، ومنهم من صمت مرغما، ومنهم من آمن وسلم!

كتب الناقد السعودي محمد العباس مقالة جريئة، لا تستغرب من أمثاله بعنوان (ما يصعب ويجب قوله في الصحوة الشيعية) في صحيفة صبرة الالكترونية في 1/ 8/ 2020م، تحدث فيها عن الصحوة الشيعية وتناغمها مع الصحوة السنية في إماتة المجتمع، وتحديد حراكه عبر سردية واحدة، وأبان أن الخمينية هي مرجعية الصحوة الشيعية في القطيف، وسرد العديد من مظاهر تلك الصحوة، وعنفها مع كل الأصوات التنويرية التي تحاول الخروج عن السياق المرسوم، قال العباس: «ولأن الصحوة في المجتمع القطيفي كانت ذات منزع سياسي استئثاري بسبب تبعيتها للثورة في إيران، جاءت مظاهرها على درجة من العنف. حيث صدرت بيانات تهديد للمثقفين الليبراليين، كما وزعت قوائم تكفيرية بأسماء محسوبات ومحسوبين على الأحزاب اليسارية، وكذلك استخدمت منابر المساجد للتبشير بالصحوة وبث الذعر في نفوس المخالفين وصولا إلى الاعتداءات الجسدية.»

هذه المقالة الحرة من مثقف تنويري شيعي، تفسر حالة الصمت شبه السائدة لدى كثير من مثقفي الشيعة، والعنوان يفسر (صعوبة) الحال عند التنويري الشيعي، فأمامه عقبات كائدة إن حاول الخروج عن صراط السردية الخمينية، ولا شك أن حالات الترهيب ما تزال مستمرة سواء من الداخل أو الخارج، وهو ما يجب على المثقف الشيعي أن يتجاوزه بإرادة وطنية حرة، فلم تعد مبررات الأمس قائمة، فالوطن بادر إلى إعلاء قيم المواطنة والمساواة بين كافة الشرائح الاجتماعية، حتى أصبح التنوع ثراء، والتعدد قوة.

إن خطاب الصحوة الخمينية وأدبياتها مرتكزة على إذكاء مشاعر العداء والثأر، تحكم قبضتها على عواطف أنصارها إلى درجة تخدير العقل وتعطيل التفكير، فلا يمكن أن ينظر المؤمن بها إلى معاناة الشعب الإيراني والعراقي والسوري واللبناني واليمني إلا عبر مناظير (الجهاد والصبر والاحتساب) سعيا إلى تحقيق (الحلم) في الدولة الشيعية الكبرى التي رسمها الخمينيون في أذهانهم، كما رسمها الإخوانيون والصحويون والدواعش في أذهان أنصارهم، فكلها حركات إسلام سياسي هدفها السلطة، لا شيء آخر غير السلطة، لكن الرسم في أذهان الأتباع يستخدم ألوان الدين في مصطلحات (الخلافة/ والحسين/ والدولة الإسلامية الكبرى/ والإمام الغائب ....).

وبعد، فلا مناص أمام المثقف الوطني إلا أن يمزق سجف الصمت، وأن يضحي من أجل وطنه وذاته وأبنائه، فهم يستحقون حياة سوية نقية من أدران الخطاب الصحوي، وأن تصفو مخيلاتهم التي يرسمون فيها أحلامهم لذواتهم ولوطنهم وأحبتهم من الشعارات المضللة، لتكون أنقى وأجمل وأصدق في بناء الوطن.

@ahmad_helali