مرزوق بن تنباك

الشق الظاهر والشق الخفي

الثلاثاء - 15 فبراير 2022

Tue - 15 Feb 2022

في الأسبوع الماضي أقام الإعلام العالم على قدميه ولم يقعده لحادث الطفل ريان غفر الله له وعوض والديه خيرا.

كل العالم وكل القنوات الفضائية وحتى نشرات الأخبار تصدرها ريان وبلغ التعاطف معه ومع والديه الآفاق، وهو تعاطف مستحق إنسانيا.

والحدث من حيث هو محزن ومثير للعواطف والشفقة على الطفل ووالديه والأيام الصعبة التي قضياها بالأمل الذي يتلاشى مع كل ساعة تمر، ومعهم الناس والإعلام الذي صنع الحدث وضخمه وأعطاه بعدا غير عادي إذا قورن بما يحدث من كوارث في الجب وفي الصحراء، ضحاياه البشر صغارا وكبارا ليس بينهم وبين من يريد إنقاذهم بئر عميق ولا حاجز.

وقد تفنن الإعلام في إثارة أحاسيس الرحمة واستقطاب العواطف الجياشة، وهذا عمل بارع، وحسنا يفعل الإعلام عندما يهتم بحالة كحالة ريان، لكن في الجانب الموضوعي والإنساني أيضا كم طفل في سن ريان وفي حالة كحالته سقط في آبار الحروب والجوع والأمراض والإهمال والضياع.

نسي الإعلام هؤلاء ونسي مآسي الآلاف من الأطفال الذين يموتون ليس في آبار يعجز العالم عنها وتقل الحيلة فيها لكن في آبار المدن وفي مخيمات الهاربين من الفتن وفي الصحراء وفي المهاجر وفي البحر وبطون الحوت، كل ذلك يحدث للأطفال الذين في عمر ريان ولا حول لهم ولا قوة.

ينظر المرء في صفحة الإعلام وهو في بيته وفي أي أرض يكون فيها، فيرى من المآسي والويلات ما ينغص حياته ويهز ضميره ولو كان بعيدا عن تلك المآسي والأحداث التي يلاحقه بها الإعلام ولا سيما حين يرى أن ضحايا هذه الحروب والفتن هم أضعف طبقات المجتمع البشري الأطفال والنساء والشيوخ ومن لا حول لهم ولا قوة تمنعهم مما يصيبهم في ديارهم ومهاجرهم وفي أي أرض كانوا، يشعل هذه الحروب ويوقد شررها المستطير قساة القلوب الذين نزعت الرحمة من أفئدتهم وحال الشيطان بينهم وبين ضمائرهم.

والملاحظ أن أغلب الحروب والفتن تقع في دول العالم الذي يسمونه العالم الثالث، أما العالمان الثاني والأول فيُظهران في وسائل إعلامهم شيئا من الرحمة والشفقة على هؤلاء المساكين ويتحدثون حديثا مفرطا عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وحتى الحيوان مشكورين ويرسلون مساعدات لهم ذات شقين:

الشق الأول ما تأتي به المنظمات الإنسانية الدولية من مساعدات مادية وطبية ويظهر الإعلام الغربي والشرقي جنود هذه المنظمات وهم يجولون في مخيمات اللاجئين حيث كانوا، ويشركون المشاهد في آلام الناس وهو عمل مقدر ومبرور ممن يقوم به ومشكور عليه أيضا ولو حرك آلام الضمائر والأفئدة.

أما الشق الثاني فهو الذي لا يظهره الإعلام لا الشرقي ولا الغربي ولا يعرض في نشرات الأخبار ولا يتحدث عنه وهو المهم جدا، ذلك الشق الخفي هو سلاح الدمار الشامل.

ومعلوم للجميع أن ما يسمونه العالم الثالث عاطل من الصناعة ولا يستطيع صناعة تنفعه أو تقتل غيره، لكنه بحروبه الأهلية والإقليمية التي نتيجتها مآسي هؤلاء اللاجئين يملك أحدث الأسلحة صنعا وأكثرها فتكا وتدميرا، يرسلها العالمان المشفقان الأول والثاني إلى العالم الثالث المدان نظريا بالتخلف والقسوة، وشن الحروب بعد أن يقبضا ثمنها مضاعفا أضعافا كثيرة.

وما ينفقون مجتمعين على ما يسمونه المساعدات الإنسانية للاجئين لا يعادل قيمة الضريبة التي تفرضها تلك الحكومات على شركات الأسلحة العملاقة الفتاكة التي تقبضها من حكومات دول العالم الثالث حتى تشن الحروب بينها وعلى مواطنيها.

إن السوق الرائجة للسلاح الذي يصنعه الغرب في العالم الثالث هي المأساة الحقيقية التي بسببها فر الناس من بلادهم واختاروا المخيمات والملاجئ، نقول للعالم الأول كفوا أسلحتكم التي تزودون بها العصابات والميليشيات وتشعلون بها الثورات ولو فعلتم لما رأيتم هؤلاء ولما احتاجوا إلى عونكم ومساعداتكم.

@Mtenback