شاهر النهاري

النوم سلطان.. والحر سلطان

الثلاثاء - 09 أغسطس 2016

Tue - 09 Aug 2016

في حر صيف الرياض، توجهت لمؤسسة حكومية أجبرت على زيارتها، رغم وجود موقع الكتروني، ولكن بعض الأعمال لا يمكن أن تتم دون مرور على مدير عام، يتفضل بالشخبطة على ورقة صغيرة، يدفعها لشخص يعرف أنه (الماستر كي)، لمعضلات المؤسسة.



ومنذ البدء لاحظت خلو مواقف السيارات من رجال الأمن وأن الكشك الخاص بهم موصد، وغمامة النوم بادية من داخله.



أوقفت سيارتي بأحد أدوار المواقف، ثم حشرت نفسي مع المراجعين في المصعد للدور المطلوب.



وعند باب سكرتير الإدارة المطلوبة وجدت عاملا أجنبيا جاثيا على كرسيه، وهو يغط في نوم عميق، ويسد أذنيه بسماعة هاتفه.

ناديت عليه حتى هب من مكانه فزعا، ومسح أنفه وعينيه، وهز رأسه برتابة وهو يعتذر عن إغفاءته، ويبرر لي بأنه لم ينم البارحة!.

فنظرت بابتسامة حنو لعينه ليزيد، أنه كان سهران يتابع عدة مقاطع فيديو، وصلته من أسرته، وأصدقائه في قريته.



سبحان الله، الكرة الأرضية فعلا قرية صغيرة، وإن لم يتوافق ليلها هنا مع ليل طرفها المحدب هناك، حيث لا تزال الشمس شارقة، بكروية يرفض الكثير من شيوخنا قبولها!.



وسألته عن السكرتير، فهز رأسه وابتسم بأنه قد خرج؛ وعندما رقت نظرتي إلى وجهه بصمت، شرح لي أن السكرتير المسكين لم ينم جيدا البارحة، لأنه كان سهران في الاستراحة، لمجاملة بعض الضيوف الجدد، وأنه أرسل له رسالة صوتية بأن يهتم بأعمال المكتب حتى يتمكن من الحضور.



وجاملت العامل ببسمة مودة متجددة، ليرتاح خاطرا، ويحكي لي من قصص العجب، ونظرت لمكتب مدير مكتب المدير العام، فتبسم العامل، وشرح لي أنه أيضا لم يحضر اليوم، بل إنه لم يحضر من عدة أيام بسبب تأخر رحلته في العودة من إجازته، وقد تحدث هاتفيا مع السكرتير، وأخبره أن يغطي العمل نيابة عنه، حتى تتسنى له العودة.



فبلعت ريقي عافية، وأنا أتمنى ألا يكون المدير العام أيضا غير موجود، أو أن يكون نائما في المختصر، وسألت العامل، فأكمل هز رأسه، حتى أشعر مداركي بالدوخة، وهو يخبرني أن المدير العام في اجتماع هام منذ الصباح الباكر!.



ولم أصدق الحكاية، فصافحته بكف مطمئنة، وربت على كتفه، فأخبرني بالسر العظيم، وطلب مني ألا أفشيه لأحد، فالمدير العام أيضا مسافر، وقد ربط بين الانتداب الخارجي وسفره السياحي مع أسرته، ولكنه اتصل بمدير مكتبه، وكلفه بأداء العمل نيابة عنه.



ولم أرغب في إظهار غضبي مما يحدث، وطلبت من العامل أن يساعدني، فالأمر لا يعدو كونه توقيعا بسيطا على ورقة يمكن أن يقوم بها أي شخص له مكانة بالمؤسسة، وشرحت له طول المسافة والعناء المترتب على عودتي بدون إنجاز ذلك، فنظر لي نظرة رحمة وشفقة، واقتادني إلى مكتب مجاور لسكرتير إدارة أخرى تنفذ أعمال الإدارة بالنيابة.



وعند الباب، وجدنا عاملا أجنبيا متقرفصا على كرسي بجوار المكتب باعتبار أنه كان سهران البارحة، وبعد تأسفه، وتعاطفه مع قصتي، شرح لنا أعذار سكرتير إدارتهم الغائب، ومدير مكتبهم النائم، ومدير إدارتهم المجاز!.



تلك حالة تكاد تكون عامة في صيف الرياض، ودون حياء، أو نزاهة!.



[email protected]