ناصر محمد الجهني

الجرم على قدر الجريمة

الثلاثاء - 09 أغسطس 2016

Tue - 09 Aug 2016

دوما ما نقرأ في صحفنا عن خبر إغلاق محل بيع مواد غذائية للعثور على أغذية فاسدة في المحل، أو إغلاق صيدلية للعثور على أدوية ومنتوجات منتهية الصلاحية، أو إغلاق محل بيع قطع غيار سيارات أو أدوات كهربائية لبيعه منتوجات لا تتطابق مع مواصفات السلامة والجودة التي وضعتها جهات الاختصاص. لكننا لا نقرأ أبدا عن العقوبة التي تم إيقاعها بصاحب المحل الذي لا يعلن حتى عن اسمه ولا يتم التشهير به وكأن إغلاق المحل لمدة معينة يعتبر بحد ذاته عقوبة كافية لردع صاحب المحل عن تجاوزاته والذي غالبا ما يعود لنفس الممارسة ونفس التجاوزات لاستمرائه الخطأ الذي يحقق ما يحققه من خلفه من أرباح، كون العقوبة لن تكون أكثر من إغلاق المحل ولمدة محدودة.



إن بيع مواد غذائية فاسدة أو أدوية منتهية الصلاحية أو قطع غيار لا تحمل معايير السلامة المطلوبة ليس مخالفة تجارية وحسب وإنما هو جريمة بحق المواطن قد تتسبب في إزهاق الأرواح وإلحاق الضرر والأذى الجسيم بمواطن لا ذنب له سوى أنه اضطر لشراء ما يحتاجه من أغذية أو أدوية أو قطع غيار من تاجر معدم الضمير، مستهتر بأرواح العباد وأنظمة البلاد ومصائر البشر، تاجر أمن العقوبة التي قد لا تتجاوز إغلاق محله لأيام وربما أسابيع يعود بعدها إلى ممارسة غيه ونكره.



بيع الأغذية الفاسدة جريمة، وبيع الأدوية المنتهية الصلاحية جريمة، وبيع قطع الغيار المخالفة لمواصفات السلامة جريمة. هي جرائم مكتملة الأركان تمت عن عمد لتحقيق ربح مادي على حساب صحة الناس ومغامرة بأرواح الناس واستهتار بمصائر الناس، العقاب عليها يجب أن يتناسب مع ما قد تلحقه تلك الجرائم من أذى وما قد تتسبب فيه من ضرر.



هناك خلل في أنظمة العقوبات، وهناك خلل في توصيف الممارسات، وهناك خلل في رؤية المسؤول لأهمية حقوق وحياة المواطن مقابل ربح وترف ورفاه التاجر.



فأن يصاب طفل بشلل نتيجة جرعة زائدة في مخدر، أو يموت شاب دماغيا لخطأ في تمديدات أنابيب أكسجين، أو تدمر حياة إنسان بسبب إبرة عضل تم حقنها في الوريد ثم لا يكون العقاب بقدر الخطأ والنتيجة والضرر ويكتفى بغرامة مالية تافهة أو بإغلاق للمركز الطبي لأسبوع أو أكثر، لأمر محير بالفعل. وكذلك الحال في المواد الغذائية الفاسدة والأدوية منتهية الصلاحية وقطع الغيار غير المتطابقة مع مواصفات السلامة. كلها جرائم، وجرائم بشعة تستوجب أشد العقوبات وأغلظها وأضمنها لعدم التكرار وزرع الخوف من ارتكابها في قلوب المستهترين.



هي ليست مخالفات تجارية لأنظمة أو تعليمات فحسب. هي مخالفات ينتج عنها الضرر ويحدث من ورائها وبسببها حتى الموت. فهل يكفي إغلاق المحل؟ هل يكفي إيقاع العقوبة المادية البسيطة؟ أليس الأولى بهؤلاء المستهترين بحياة الناس وأرواحهم أن تغلق محلاتهم للأبد وأن يشهر بأسمائهم وأن يدفعوا الملايين للمتضررين وأن يودعوا السجون بما اقترفت أيديهم؟ هذا هو المطلوب، وهذا هو المؤمل، وهذا ما يجب أن يكون. فالجرم ليس فقط بقدر الفعل، وإنما أيضا بقدر ما يحققه من ضرر وما يتسبب فيه من معاناة وألم. الجرم على قدر الجريمة.



[email protected]