تجارب العرب في مئة عام
الثلاثاء - 08 فبراير 2022
Tue - 08 Feb 2022
انتهت الحرب العالمية الأولى في نهاية 1918م وتأسس على نتائجها عالم مختلف عما سبق تلك الحرب ومنه العالم العربي وهو ما يهمنا في هذا المقال، فقد العرب في نهاية الحرب أمل الاستقلال الذي وعدوا به واقتسمت بلادهم بريطانيا وفرنسا وكان رد الفعل ثورة ضعيفة في العراق فيما عرف بثورة العشرين 1920م، وفي مصر فيما عرف بثورة سعد زغلول أو ثورة 1919م .
أخمدت الحركتان فسكن العرب حتى كانت النكبة في احتلال فلسطين وقيام إسرائيل عام 1948م، وهنا أصيبوا بحالة من الذعر والارتباك وشعور حقيق بمستقبل مهزوم فكانت المحاولة ورد الفعل انقلاب العسكر، حسني الزعيم في سوريا وعبد الناصر في مصر وقد صحب هذين الانقلابين أمل مشوب بالخوف والحذر وتبعهما انقلابات عسكرية أخرى في أكثر من دولة عربية تنادي بالتحرر ومستقبل أفضل معتمدا على شعار المد القومي والدعوة إلى الانطلاق من عقال التقاليد المحافظة التي كانت تسود تلك الحقبة، وبقي الاتجاه المحافظ متمسكا بصورة شكلية باهتة بما يعرفه بالثوابت مع ضعف شديد في الدفاع عن نفسه أو رؤيته السياسية.
وظل الأمر كذلك حتى حدثت هزيمة العرب الساحقة في 1967م وهي هزيمة لم تكن ضراوة وقعها في النفوس أقل مما حل بهم عام 1948م بل كانت أشد وطأة وأكبر أثرا لا سيما أن هذه الهزيمة جرتها دولة نادى زعيمها بالخلاص العربي وانقادت مع ندائه المجتمعات العربية في كل مكان.
كانت قسوة الهزيمة وتسلط الأنظمة العسكرية الشمولية باعثا قويا للبحث عن مسار ينقذ ما يمكن إنقاذه وكانت القوى الشعبية الكامنة مهيأة نفسيا واجتماعيا وسياسيا لاتجاهات أخرى باحثة عن الخلاص من الأنظمة القومية ودكتاتوريتها والخلاص من التجارب السابقة ونتائجها والواقع الذي فرض عليها من الداخل والخارج.
وكان الخيار الممكن هو خيار الرجوع إلى الإسلام بعد تلك المحاولات الفاشلة وهو خيار ممكن لأن الأنظمة المحافظة التي هزت القومية العربية أو الناصرية قواعدها تلقفت هذا الخيار وعملت على استغلاله والذهاب به إلى مواقع السياسة واعتمدت الإيديولوجيا السياسية على نوعين من المثقفين:
النوع الأول: المهيئون الإسلاميون الذين طحنتهم الثورات القومية وأخرجتهم من حسابها وقد قرروا ألا اتفاق ولا وصال مع الأنظمة العسكرية الشمولية.
النوع الثاني: المثقفون المنظرون للقومية العربية الذين أدركوا بعد الهزائم العربية أن مستقبلهم هو القفز إلى خط الفريق الأول والسير معه عندما تيقنوا إفلاس التجربة التي بدؤوها لإحساسهم باحتضار مبادئها فانضموا إلى الفريق الأول وصبغوا التوجه الجديد بطابع التنظير الذي برعوا به مع القومية العربية.
انطلق التياران تحت غطاء سياسي مختلف أضفته عليهما الدول العربية المحافظة، وتفرغ التياران للعودة إلى التراث الإسلامي وبدؤوا إلى تفكيكه إلى أولويات ومبادئ ومن هذه الأولويات انطلقت حركة الإسلام السياسي الجديد، ووجد المنظرون أن مادة الإسلام غنية وثرية وأن العودة إليه مقبولة مبجلة.
ولم تكن الحركة هذه المرة موجهة إلى النخب الثقافية والسياسية كما هي في دعوة اليسار القومي والمد الاشتراكي بل كانت موجهة إلى القاعدة العريضة وهم العامة من الناس التي نشأت على الإسلام وتغذت بتعاليمه وهنا كان الأمر أيسر والطرق مهيأة المسالك وفي
خطاباتهم ومقالاتهم أكدوا كلمة الحل الإسلامي: (وأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان) وأصبحت هذه الجملة شعارا يرفعونه في كل مناسبة، وعادوا ينتخلون من الماضي ما يريدونه للحاضر والمستقبل وأصبح كل نشاط يقومون به يصبغ بصبغة إسلامية حتى يكون له قبول ورواج. وكما انتهت ثورات العسكر في هزيمة 1967م، انتهت ثورة الأسلمة فيما سمي الربيع العربي.
انتهت مئة عام ولم تنته قصة العرب وقد تحولت أكثر من دولة عربية إلى دول فاشلة وفقدت كينونتها واستقلالها ووحدتها القطرية وأصبحت تمزقها الحروب الداخلية والصراعات العشائرية وضاع الأمن والاستقرار والدولة أيضا.
هذا حصاد مئة عام مضت فما القادم الذي تنتظره الأمة العربية وما الخيارات الممكنة التي قد تجربها غير ما مضى من محاولات وتجارب؟ سؤال قد يكون جوابه مفتوحا على أكثر من وجه.
Mtenback@
أخمدت الحركتان فسكن العرب حتى كانت النكبة في احتلال فلسطين وقيام إسرائيل عام 1948م، وهنا أصيبوا بحالة من الذعر والارتباك وشعور حقيق بمستقبل مهزوم فكانت المحاولة ورد الفعل انقلاب العسكر، حسني الزعيم في سوريا وعبد الناصر في مصر وقد صحب هذين الانقلابين أمل مشوب بالخوف والحذر وتبعهما انقلابات عسكرية أخرى في أكثر من دولة عربية تنادي بالتحرر ومستقبل أفضل معتمدا على شعار المد القومي والدعوة إلى الانطلاق من عقال التقاليد المحافظة التي كانت تسود تلك الحقبة، وبقي الاتجاه المحافظ متمسكا بصورة شكلية باهتة بما يعرفه بالثوابت مع ضعف شديد في الدفاع عن نفسه أو رؤيته السياسية.
وظل الأمر كذلك حتى حدثت هزيمة العرب الساحقة في 1967م وهي هزيمة لم تكن ضراوة وقعها في النفوس أقل مما حل بهم عام 1948م بل كانت أشد وطأة وأكبر أثرا لا سيما أن هذه الهزيمة جرتها دولة نادى زعيمها بالخلاص العربي وانقادت مع ندائه المجتمعات العربية في كل مكان.
كانت قسوة الهزيمة وتسلط الأنظمة العسكرية الشمولية باعثا قويا للبحث عن مسار ينقذ ما يمكن إنقاذه وكانت القوى الشعبية الكامنة مهيأة نفسيا واجتماعيا وسياسيا لاتجاهات أخرى باحثة عن الخلاص من الأنظمة القومية ودكتاتوريتها والخلاص من التجارب السابقة ونتائجها والواقع الذي فرض عليها من الداخل والخارج.
وكان الخيار الممكن هو خيار الرجوع إلى الإسلام بعد تلك المحاولات الفاشلة وهو خيار ممكن لأن الأنظمة المحافظة التي هزت القومية العربية أو الناصرية قواعدها تلقفت هذا الخيار وعملت على استغلاله والذهاب به إلى مواقع السياسة واعتمدت الإيديولوجيا السياسية على نوعين من المثقفين:
النوع الأول: المهيئون الإسلاميون الذين طحنتهم الثورات القومية وأخرجتهم من حسابها وقد قرروا ألا اتفاق ولا وصال مع الأنظمة العسكرية الشمولية.
النوع الثاني: المثقفون المنظرون للقومية العربية الذين أدركوا بعد الهزائم العربية أن مستقبلهم هو القفز إلى خط الفريق الأول والسير معه عندما تيقنوا إفلاس التجربة التي بدؤوها لإحساسهم باحتضار مبادئها فانضموا إلى الفريق الأول وصبغوا التوجه الجديد بطابع التنظير الذي برعوا به مع القومية العربية.
انطلق التياران تحت غطاء سياسي مختلف أضفته عليهما الدول العربية المحافظة، وتفرغ التياران للعودة إلى التراث الإسلامي وبدؤوا إلى تفكيكه إلى أولويات ومبادئ ومن هذه الأولويات انطلقت حركة الإسلام السياسي الجديد، ووجد المنظرون أن مادة الإسلام غنية وثرية وأن العودة إليه مقبولة مبجلة.
ولم تكن الحركة هذه المرة موجهة إلى النخب الثقافية والسياسية كما هي في دعوة اليسار القومي والمد الاشتراكي بل كانت موجهة إلى القاعدة العريضة وهم العامة من الناس التي نشأت على الإسلام وتغذت بتعاليمه وهنا كان الأمر أيسر والطرق مهيأة المسالك وفي
خطاباتهم ومقالاتهم أكدوا كلمة الحل الإسلامي: (وأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان) وأصبحت هذه الجملة شعارا يرفعونه في كل مناسبة، وعادوا ينتخلون من الماضي ما يريدونه للحاضر والمستقبل وأصبح كل نشاط يقومون به يصبغ بصبغة إسلامية حتى يكون له قبول ورواج. وكما انتهت ثورات العسكر في هزيمة 1967م، انتهت ثورة الأسلمة فيما سمي الربيع العربي.
انتهت مئة عام ولم تنته قصة العرب وقد تحولت أكثر من دولة عربية إلى دول فاشلة وفقدت كينونتها واستقلالها ووحدتها القطرية وأصبحت تمزقها الحروب الداخلية والصراعات العشائرية وضاع الأمن والاستقرار والدولة أيضا.
هذا حصاد مئة عام مضت فما القادم الذي تنتظره الأمة العربية وما الخيارات الممكنة التي قد تجربها غير ما مضى من محاولات وتجارب؟ سؤال قد يكون جوابه مفتوحا على أكثر من وجه.
Mtenback@