عبدالحليم البراك

فضيلة الخوف

الاثنين - 07 فبراير 2022

Mon - 07 Feb 2022

هل يظهر للعيان أن الخوف هو أحد محركات الإنسان الرئيسية، وأحد مقومات وجوده المادي والمعنوي، وهل تاريخ الخوف والإنسان مثل خطين متوازنين أينما وجد الخوف وجد الإنسان لأنه أحد دوافع بقاء الأخير؟!

المعلوم أن الطفل يولد باكيا، لأنه خائف من بيئته الجديدة، فقد اعتاد على الرحم الهادئ وسط عناية إلهية بكل شيء حوله، من طعامه وشرابه وحركته وحتى أنفاسه، ليأتي لدنيا مختلفة للغاية، فأول ما يتبادر له من عمل هو البكاء النابع من خوف، خوف التغييرات الجديدة التي أقلقت فطرته، بل بهذا أصبحت الولادة «مثلبة» عطفا على رؤية «سيوران» التي ترى في الولادة مشكلة وجودية في حياة الإنسان، ربما لأن الولادة صارت قرينة الخوف، وتستمر رحلة خوف الإنسان من طفولته وحتى نهايته، وهو يرى الموت رأي العين؛ ففي كل مرة منذ أيامه الأولى إلى أيامه الأخيرة وهو يهرب من الموت خوفا منه، فيأكل حتى لا يموت ، ويقتل حتى لا يقتل ويموت، ويأخذ أدويته حتى لا يموت، ويرعى أطفاله وأبناءه حتى لا يموتوا فيموت كمدا عليهم، لأن خوف الموت يسيطر على ذهنه وهو أحد دوافع بقائه.

بل ومن جنون الإنسان وشدة سيطرة الخوف عليه، يصنع الأساطير ويلفها في الخوف، برغم الجهل الذي يكتنف أساطيره، فتصنع الشعوب آلهة لا تراها وتخاف منها وتنسب إليها ما لا تستطيع فعله، وتخاف من الرعد والبرق والسماء والكواكب والنجوم وتربطها بسلوك الإنسان بروابط اجتهادية لا قيمة لها، وتكون أدلتها وشواهدها عبارات ومعاني موظفة توظيفا مخيفا وأحيانا للخوف فقط!

بل أحيانا، الخوف هو الذي يرتب حياة الإنسان، فإن لم يخف من سلطة الرجل الواحد الذي يؤذيه إن خالف مراده زارعا الخوف في داخله، خاف من سلطة القانون المنظم الذي يعاقبه إن هو حاد عنه، وفي الكتاب الشهير «الأمير» وهو يوصي مستهدف الكتاب بزرع الخوف قائلا: «الناس تطيع وتذعن لمن تخاف ولا تطيع من تحب» وبرغم الحب الممنوح إلا أنها لا تخاف ممن تحبه، لأنه لا رابطة بين الحب والخوف تذكر تؤدي إلى الطاعة الحتمية، لكن الرابطة بين الرجل المخيف والخوف والناس أكثر!

وتسعى التربية لخلق التوازن بين الخوف والدوافع الذاتية النابعة من الإنسان، بهدف تقليل توتر الإنسان من إثارة الخوف المدمرة على حياته إن بالغ فيها وسيطرت على ذهنه، ويقابل الخوف عدم المبالغة في عواقب الأمور، فبرغم أن عدم الخوف شجاعة، لكن إن جرد من الحكمة صار حماقة وجنونا وقلة حيلة.

ومن خوف الإنسان من المستقبل اخترع فكرة التنبؤ بالمستقبل، وأخذ منحنين في ذلك، أحدهما أسطوري وخيالي وجنوني، والآخر علمي، الأول اعتمد على السحر والشعوذة مستثمرا الجهل والفقر والعقل الإنسان المتقوض، فعقد من خلاله حبال الصرف واللطف (الجذب والإبعاد بأنواعهما) والآخر استخدم الاقتصاد والعلم والنظرية فصار يتنبأ بمستقبل الإنسان ومستقبل المال والأعمال، ويتنبأ أيضا بسلوك الإنسان مستخدما معادلات علمية (إن ثبتت المتغيرات) صارت حقيقة وواقعا مع مرور الزمن.

وأخيرا كل ما حول الإنسان مخيف، المرض مخيف، والتكنولوجيا تخيفنا أحيانا، والإعلام يخيفنا بغسيل أدمغتنا، والشارع يخيفنا برأي الجماهير الجمعي الذي لا يمكن التنبؤ به ولا إلى أين يسير بنا، وبذلك جدير بالخوف أن يكون مادة نخاف منها!

Halemalbaarrak@