إيمان أشقر

(رسالة في يد صبي)

الاثنين - 07 فبراير 2022

Mon - 07 Feb 2022

سبحان الذي أخذ بيد ريان إلى حافة تلك البئر، سبحان الذي ربط على قلب أم ريان قبل أن يغادرها وتغفل عنه، سبحان الذي حَمّل ذلك الطفل رسالة لقومه علهم يعقلون.

لم يكن الدرس للعرب ولا للمسلمين ولكن هناك درس من رب العالمين إلى كافة العالمين.

حين يريد الله أمرا يقول له {كن فيكون} بدون تمهيد ولا مقدمات، وحين يقضي أمرا لا تستطيع الجن والإنس على تغييره ما استطاعوا إليه سبيلا.

ذلك البئر الذي شق الأرض منذ أن خلقها الله ولم يدع أحد لزيارته من قبل، ذلك البئر بين الجبلين الذي مر بجواره المئات من الأطفال لم يحن وقت رحيلهم، بأمر من الله أتاه ريان (وما الريان إلا باب الصائمين).

حين يصيبنا اليأس نقرأ سورة يوسف، ذلك الطفل الرسول الذي سكن البئر تمهيدا للنبوة والرسالة، وحين سقط ريان في البئر تذكرنا يوسف ليعود الأمل، أغرق العالم الأرض والآبار بدموعهم ينادون ريان، اجتمع العلم والخبرة، اليأس وعدم التصديق، الرجاء والأمل في حفر الجبل بالأيدي والمعدات، خمسة أيام وطفل مفزوع يسكن تحت الأرض لا زاد ولا هواء ولا غطاء يدفئه إن نعس ونام.

من يستطيع أن يحكي ما كان في خلد ريان طوال تلك المدة التي لم تكن بالقصيرة، أخوفٌ ألم به؟ أم أنه كان يتحدث مع الملائكة يبتسم لهم ويدعو ليت قومي يعلمون؟!

كان من الممكن أن يختفي في الجب ولا يعلم مكانه أحد، كان من الممكن أن يفارق الحياة في لحظة سقوطه ولا يخرج منه إلا رفات، كان من الممكن أن لا يصل إليه أحد (قبله كثير كان ذلك حالهم)، ولكن هناك رب رحيم قال له {فإنك بأعيننا} وقال له ولنربط على فؤاد أمك.

ونحن نشاهد كل تلك المحاولات لإنقاذه نتذكر ذلك الطفل الذي سقط على طرف الساحل في محاولة والديه لمغادرة دياره والهجرة هربا من ظالم، وغيرهم من الأطفال يسكنون تحت الأنقاض وتحت ركام المنازل جوعا وبردا، لم يعرهم العالم ووسائل الإعلام من وقتها أكثر من خبر عاجل.

ولكنه طفل أمسك بيد العالم في شماله وفي يمينه كان يمسك بباب الجنة.

موجع كان الدرس يا ريان، رسالة رب العالمين {أفلا يتدبرون} ولله لطف خفي.

أم ريان قد تكون الوحيدة التي شعرت بأنه رحل قبل أن يعود إليها لتضم جثمانه، كان قدرها عند الله أن يشهد مصابها العالم أجمع، كان ريان رسالة من اللطيف الخبير {ليتهم يعقلون}.

لا نقول إلا توفاه الله في حينه وعمره الذي قضاه الله له {ولكل أجل كتاب}.

خرج من البئر فزعا تعبا يرجو أن ينام في حضن أمه، لتأخذه أمه بيديها إلى مرقده الأخير، ما زال في بئر ريان ألف درس وعبرة لم نتدبرها، عسى أن يأتي بها الله لنتعظ ونتدارك ما بقي من أعمارنا.

كلنا نسكن بئر الدنيا الضيق المتسع نرجو منه الخلاص قبل مرقدنا الأخير في الجنة بإذن الله.

اللهم اجبر حزن أم ريان، واربط على قلبها، وافتح لها باب الريان في الجنة إنك على ذلك لقدير.

@DrEmanMA