ريما رباح

(لن ينجو!!)

الأحد - 06 فبراير 2022

Sun - 06 Feb 2022

‏المعنى الشائع لمصطلح الفساد هو (استغلال المال العام للصالح الخاص)، أما النزاهة فتعرف بأنها الاستقامة والالتزام بالقيم والفضائل والمبادئ الأخلاقية.

‏الفساد يمثل العدو الرئيسي لخطط التنمية لأنه يثبط الاستغلال الأمثل للموارد، ويوصف بأنه مجموعة الممارسات السلبية المسيئة للاقتصاد والمجتمع، وتحديد مكامن الفساد في القطاع العام يستلزم إجراء عملية الفحص لآلية عمل كافة القطاعات، الأمر الذي يتطلب وجود معرفة وخبرة بأصناف المعاملات الموجودة والمحتملة في الدائرة الحكومية محل النظر، وبمعنى آخر يستلزم الإلمام بمجموعة الإجراءات التي قد تخلق ثغرات محتملة للفساد مع تحليل خلفية الدوافع والتبعات وشبكة المتعاونين، من المهم جدا أن تكون دراسة الظاهرة بشكل تحليلي متعدد الأبعاد، فالأسباب قد تختلف من نوع إلى آخر ومن جهاز إلى آخر، وغالب الظن أننا هنا نعتقد أن الأمر مباشر وحله متاح.. لكن هل هذه هي القصة كلها؟

(خارطة الطريق)

‏حين أعلنت القيادة الرشيدة عن برنامج الإصلاح الحداثي للدولة في عام (2017) وكانت لها كلمتها والمتوجة بمقولة أمير الإصلاح والتنوير محمد بن سلمان بإطلاق وعده الحازم الصارم عندما قال: «لن ينجو أي شخص تورط في قضية فساد أيا كان، لن ينجو متورط (وزيرا كان أو أميرا)» بدأت حركة مؤسساتية ضخمة على مستوى الوطن، ومنذ سماعنا بيان هيئة الرقابة ومكافحة الفساد والذي شمل عدة وزارات وجهات ومؤسسات حكومية وإلقاء القبض على كل من ثبتت عليه التهم بارتكاب أي شكل من أشكال الفساد.. توقعنا التماهي الكامل مع

التوجه المثالي.. وبأن أي جهة في القطاع العام أيا كانت ستعكس الهدف المراد، وبالتماثل فإن منسوبيها سيكونون آية من آيات الانضباط والمسؤولية واتباع النظام.

(الإصرار السلبي)

‏التوقع لم يطابق الواقع، الأمر الغريب هنا ليس فقط الإصرار العجيب من بعض منسوبي تلك الجهات على السير في نفس النهج لأشكال الفساد التي سبق وارتكبها بعض ممن كانوا يعملون معهم وتم إيقافهم وعقوبتهم بشكل حاسم؛ ليس هذا فقط لا بل وعلى تماديهم باقتراف ذات الأفعال بطريقة بدائية أو مماثلة أو مكررة، في قاموس الفطرة لا يوجد أي تعليل أو تبرير أو تفسير لهذا سوى تأصل الذات السيئة للفرد والتي لا تعطي الأولوية لمصلحة الوطن، هذا هو التحليل التلقائي عادة، إنما التوقف عند هذا المنعطف لا يكفي؛ فالفساد مفهوم معقد وذلك يستدعي التفكير منا مرة ثانية ومليا، وهو مدعاة لإطلاق صرخة تساؤل.. فهل هناك في الأمر أمور أخرى؟

(يقظة اللحظة)

‏الإدراك هو سر السلوك، وقد أظهرت الإحصاءات في بعض الدول أن الشريحة الأكبر من المراهقين والشباب لم تتمكن من صوغ تعريف محدد لـ (الفساد) ولم تتجاوز صفة الصدق في مفهوم (النزاهة) فالضبابية التي تلف تلك المفاهيم هي عقبة محورية.. ‏عند هذا التقاطع بالتحديد تنبغي المصادقة بأنه من الأهمية بمكان فهم وتحليل تصورات الشباب تجاه النزاهة والفساد من أجل تأسيس المنظور العلمي الذي يمكن من خلاله قراءة ذهنياتهم وبما يمكن من ترسيخ السلوكيات السليمة في سياق محاربة الفساد.. فالشباب دائما هم الرهان.

(تنشيط المسار)

‏اليوم ومع العودة إلى التعليم حضوريا.. إذا قمنا بطرح استبيان مفتوح في المدارس والجامعات على مستوى كافة مناطق المملكة.. وبناء على الأبحاث العالمية فإن النتائج مرتفعة الاحتمالات ستكون أن (الأغلبية في الشباب ليسوا على دراية بمفهوم النزاهة).

‏ظاهرة الفساد تستدعي عدة مسارات.. معرفة الحقيقة أولا، وتعليم مفهوم (النزاهة) للناشئة في وقت مبكر هو المفتاح الملح ثانيا، وترسيخ الثقة عند كافة شرائح المجتمع بالرغبة الجادة والأكيدة للدولة في اجتثاث الفساد من جذوره ثالثا، وهذا قد أكدته الرسائل والإعلانات التوعوية المتلاحقة التي تبثها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد منتهجة أسلوب الترغيب وهو أسلوب ناجع وبكل المقاييس.

(الدعم اللوجستي)

‏في الحاشية وانطلاقا من مبدأ التحفيز؛ فلعلي لا أجد غضاضة بتقديم مقترح يتضمن منح بعض الامتيازات للمبادرين في هذه الحملة كترقية استثنائية للموظف الذي يقوم بالإبلاغ عن حالات الفساد أو منح مبلغ مالي للمواطن المتعاون وهكذا، وجدير بالذكر في متن الكتاب أن همة المجتمع النقية ليست في حاجة للمكافآت تلبية لنداء الواجب، وإنما هذا لا يعدو رش منشطات إضافية لتخصيب مناعة التربة السليمة وتسريع إثمار أشجار العملية التصحيحية، نعم.. فنحن نباهي بـ (المواطنة الصالحة) وهي ثروتنا الأسمى.

(التثمين والتمكين)

‏النزاهة حجر الزاوية في فسيولوجية مكافحة الفساد؛ فبالتأكيد والتوكيد توطيد هذا المفهوم سيوثق تعاضد المجتمع واستنهاضه ليكون اليد اليمنى للدولة في أداء الواجب الوطني، النجاح في المعركة وهزيمة هذه الآفة التي نهشت في مفاصل التنمية عقودا طويلة متمفصل حول لب الوعي وحراسة الضمير الجمعي، بكلمة واحدة.. النزاهة -حكما- يجب أن تكون منهجا وأسلوب حياة!

(النواة)

‏الفساد مشكلة.. نعم، إنما المعضلة الحقيقية تكمن في المنظومة المالية والإدارية التي قد تخلق بيئة حاضنة توجه الإنسان ليكون فاسدا.. وفي جميع الحالات (لن ينجو)!

@RimaRabah