إيمان أشقر

ذاكرة مدينة بحاجة للكتابة

السبت - 05 فبراير 2022

Sat - 05 Feb 2022

بعد إزالة الركام وبقايا الجدران، بعد أن ينام سكان المدينة في منازلهم الجديدة والبدء في جمع ذكريات جديدة، بعد أن تجف الدموع ويسكن الحزن على الأماكن في زوايا الذاكرة، من سيبدأ بالكتابة عن جدة؟ من سينصف من سكن هناك؟ شوارعها التي كانت.. سكانها الذين عمروها.. يومياتهم.. أحداثهم؟!

بعيدا عن أسماء العوائل وتمجيدها، جدة لها ذكريات تستحق التوثيق (ذكريات لا خلل فيها ولا تعديات).

الإنسان البسيط الذي سكن في تلك البيوت والأزقة الضيقة، الإنسان المكافح الذي لا يحمل أرصدة ولا لقبا، جُلّ همه قوت يومه.

من سيحكي تاريخ أعيادها.. أفراحها.. أحزانها.. ومعاناة أبنائها للوصول؟ من غاب؟ ومن لم يغادر؟

بعيدا عن ذكريات متكررة تمجد أشخاصا وجدرانا، هناك بيوت لم تملك المطالبة بحق التوثيق في الذكريات، أرواح مجندة بحب الجوار تعشق الأرض وساكنيها، ثقافات متعددة من سائر بقاع الأرض كونت ملامح المدينة.

الأشجار التي اجتثت لها جذور، وإن لم تعل سيقانها وأوراقها ستُبقي بصمة من استظلوا بها من هجير النهار. من حق المدينة علينا مساعدتها في حفظ ذاكرتها بعيدا عن نص الرواية والأبطال، على الأدباء الذين كتبوا عن تلك الأماكن وعمروها على صفحات روايات خالدة أن يحفظوا ذاكرتها كما تريد هي، ليست قصة بطل إنما يوميات من كانوا هناك.

الغريب أن كل المتباكين الآن، هجروا تلك الزوايا قديما، تركوها كالابن الضال الذي لم يدع له أحد بالهداية، تركوه غريبا يحيا على فتات ورحلوا للعيش بعيدا يرفلون في ملذات الحياة، حتى تفشى في أطرافه المرض والتلف، وحين أوصى الأطباء ببترها تسابقوا لزيارته والبكاء عليه حيا، كلهم يردد كنا نلعب هنا ونسكن هناك.

إلى سدنة الحرف والقلم، لنوثق تاريخ تلك الزوايا والأركان، ذلك الإنسان الذي ارتسمت على جبينه تجاعيد الزمن وهو صبي، تلك البيوت البسيطة وحكاياتها كما يليق بها وكما تستحق من تكريم.

الأجيال القادمة لا تؤمن بالمرور على الأطلال، فلنجعل لهم نصبا تذكاريا مجيدا يحكي لهم تاريخ الأماكن بشرف ساكنيها الذين لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا هناك، أقول قولي هذا ودمع قلبي سيلا يعرفه من سكن هناك.

(وإن أجازوا بترها، فهي يدي).

@DrEmanMA