عريب الشريف

(تأمل ذاتك)

السبت - 29 يناير 2022

Sat - 29 Jan 2022

لم يخلق الله عز وجل عقولنا لتكون خاوية وفارغة، بل خلقها كمعجزة كونية بحتة ميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات؛ لذلك فإن التأمل والتفكر في هذا الكون الواسع الرحيب سيمنحك نقاط قوة في حياتك، معنويا وروحيا، وقدرة جلية على مواجهة الأقدار المكتوبة لك، خيرها وشرها، وتحقيق السلام الداخلي مع نفسك قبل الآخرين، وخاصة حين يكون هذا التأمل عميقا مع ذاتك، ويكون ذلك بمحاسبة النفس بتعقل تام، حسابا يسيرا دون جلدها، باعتبار أن كل ابن آدم خطاء (وخير الخطائين التوابون) فنحن بشر ولسنا بمنزهين أو معصومين من الوقوع في الخطأ، ولكن هذا لا يعني أن نستمر في هذه الأخطاء دون ردعها، متأملين في داخلنا الغفران ومحو الزلل.

أضف إلى ذلك التفكير في عواقب أفعالنا والدوافع التي قادتنا لها وتوقع ما ستؤول إليه هذه الأفعال ومحاولة تداركها قدر المستطاع في القادم من حياتنا، ويأتي بعد ذلك تأديب هذه النفس وتهذيبها وكفها عن الخطأ بمجابهة ارتكابها له، ومقاومة الوقوع في فخ أهوائها وميولها غير المحمودة، وتشجيعها وإعانتها على فعل ما هو صائب لها دائما، وذلك باتباعه والبحث عنه والتعمق فيه، لأن في ذلك التأمل والتفكر ما يجعل الإنسان العاقل لا ينسلخ عن ذاته متناسيا حقيقتها التي جُبلت عليها، ودواخله التي تعينه دائما على الحق والفضيلة، وأيضا حتى لا تُرغم إنسانيتك على الانقياد خلف مجاديف هذه الدنيا ودون أن تشعر فتهوي بك إلى الظلمات وإلى قاع الفتن والضلالات، فإن ظلمة النفس والشعور أقسى وأسوأ من البقاء في غرفة معتمة حالكة لا تشرق بها شمس.

وأخيرا أيها الإنسان كلنا نضعف ونخطئ، فلا تلم نفسك دائما على ما فات، وكن على إيمان قوي بأن ما يعيشه المرء من قبل وكل ما سيعيشه لاحقا ليس سوى قدر لا مفر منه، و خير لا تدركه إلا لاحقا حتى وإن كان ظاهره لك شرا لا تتمناه، وتذكر أنك ستعي ذلك وتفهمه جيدا حالما تجد ذلك الوقت الذي تُجالس فيه ذاتك متوحدا بها، متفردا بروحك، متحدثا لها بتأمل وتفكر وتدبر، متمسكا بحبال الله عز وجل، متوكلا عليه.

فاصلة؛ الإنسان معلم نفسه ومؤدبها، لا تحاول أن ترتكي على أحدهم في ذلك بل خالط جميع أصناف البشر لتتعلم منهم ما يفيدك وتترك ما لا ينفعك، وإذا كنت تسعى حقا لتهذب نفسك أخلاقيا انظر بقلبك وتأمل بكل حواسك واقرأ في كل مجالات الحياة وقف عن كل محطات هذه الدنيا حتى لا تذهب حياتك في هذا العالم وأنت تعيش فيه سدى.