أحمد الهلالي

من نزع القداسة والشرف عن قضية فلسطين؟

الثلاثاء - 25 يناير 2022

Tue - 25 Jan 2022

حين كنت طالبا في الصف الأول الثانوي عام 1991م، إبان حرب الخليج الثانية بعد اعتداء العراق على الكويت، كان بعض معلمينا فلسطينيين، يدرس أبناؤهم معنا، وكنا أصدقاء قبل أن يتحدث زميلي خالد بحديث قاس على السعودية، وبعفوية الشاب رددت عليه حتى نشب العراك بيني وبينه في الصف، وأخذونا إلى مكتب المدير، هذه الحادثة ليست مهمة، لكنها تفتح أعيينا على ما يقوله الكبار لأبنائهم، فقد تشرب خالد الأحاديث التي كانت تدور في مجلس أبيه وأسرته والجالية الفلسطينية التي كانت تقيم وتعمل بيننا في مركز أضم آنذاك.

نحن نسامح، لكننا أبدا، لم ولن ننسى دعم السلطة الفلسطينية لاحتلال الكويت، واستهداف السعودية، الموقف الذي أعلنه ياسر عرفات دون مواربة ولا تردد، ما يدل على أن مقت أطياف واسعة من أهل الأرض المحتلة للخليج متأصل، وربما يعود إلى أزمنة بعيدة، ربما يكون امتدادا للصراع (الشعوبي/ العربي) القديم، فقد تداول العرب حكم تلك الأصقاع منذ الفتوحات الإسلامية.

ما أشبه الليلة بالبارحة، ففي الوقت الذي تنثال الصواريخ والمسيرات الإيرانية على بلادنا والخليج، يأتي حديث محمود (الزحار) وآخرون من قادة حماس والجهاد وغيرها، وهتافات بعض الفلسطينيين ضد أوطاننا، في سياق عدائي متصل، ولا جديد ولا عجب فمناصرتهم للحوثي الإيراني تضاف إلى قوائم مواقفهم الخبيثة، فحماس على وجه الخصوص حركة تبعية تدين بالعبودية للآخر، تجد مغنمها في الاحتلال، ولا تستطيع قيادة نفسها إلا بمرجعية، وحين تحطمت مرجعية المرشد الإخواني في مصر، سلمت خطامها ليد أردوغان، وحين طرد الإخوان من تركيا، ألقت بنفسها تحت أقدام الولي الفقيه في إيران، وطوّعها الهالك قاسم سليماني لخدمة مشروع الإمبراطورية الفارسية المزعومة.

حماس لا تعدو فصيلا من الفصائل المسلحة الإيرانية التي يتحكم بها ضباط الحرس الثوري، ورايتها تضاف إلى رايات الفصائل الولائية، ففي خطبة أحد ملالي طهران أضاف (صراحة) حماس والجهاد الإسلامي إلى الفصائل الإرهابية في الدول العربية المحتلة إيرانيا: «جهاد إسلامي فلسطين إيراني/ هماس فلسطين إيراني»، يأمرها الضابط الإيراني بأن تتحرك وفق الإملاءات، وهل ننسى زيارة وفد حماس السياسي بقيادة معاذ أبو شمالة إلى صنعاء وتكريم الحوثي بدرع حماس؟ فما هو الدعم الذي قدمته ميليشيات الحوثي للقضية الفلسطينية؟ ربما رأته حماس في ضرب قبلة المسلمين بالصواريخ الإيرانية؟!

حماس شقت صف المقاومة الفلسطينية - على علاته - منذ وفاة ياسر عرفات؛ لأنها كانت تأتمر بأمر المرشد الإخواني، حاول العرب وفي مقدمتهم الملك عبدالله بن عبدالعزيز الإصلاح بينها وبين فصائل المقاومة الفلسطينية وجمعهم في مكة، لكنهم انقلبوا على الاتفاقات، ونكثوا عهودهم عند الكعبة المشرفة، وسبحوا ضد الإرادة العربية، ومزقوا الصف الفلسطيني حتى جعلوا قضيتهم قضية هامشية، وأوغلوا في الغي حتى رفع الشباب شعار (فلسطين ليست قضيتي)، فقد طلسم التجار والمطايا هويتها، حين رفعوا عنها قداسة القضية الإسلامية، وشرف القضية العربية.

لقد صرح الأمير بندر بن سلطان بخبثهم، وبات واضحا للخليج عامة زيف الشعارات التي يتبناها قادة المقاومة، وأن منطلقاتهم ملوثة، فابتساماتهم (للمال) الذي ضخم أرصدة القادة حتى باتوا مليارديرات معروفين على مستوى العالم، و(الزحار) بنفسه اعتبر قضية فلسطين سواكا فقط لتبييض أسنانه بعد تلوث فمه بالكذب والنفاق والمال الحرام، أما خناجر غدرهم فجاهزة للنيل من ظهورنا وصدورنا عند أي اعتداء علينا، متناسين كل ما قدمنا، وأن خادم الحرمين الشريفين يعلن دائما في كل مناسبة أن فلسطين قضيتنا الأولى، وعقد القمة العربية في الظهران باسم (القدس)، لكن قلوبهم السوداء وإملاءات ضباط الحرس الثوري جعلتهم يرون دعم الغبي (محمد علي الحوثي) أكبر من دعم ملك العرب الحر.

ختاما: ليقف الفلسطيني أمام ذاته، متجردا من كل أدران حماس وأذناب المشروع الإيراني، وليتأمل الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية، وليأت باسم شهيد إيراني واحد في سبيل فلسطين المحتلة، وليبحث عن رصاصة واحدة أطلقها النظام الإيراني على الكيان الصهيوني المحتل، فالصواريخ (مواسير البارود) التي يهربها حزب الله لحماس ليست سوى مكر ومكيدة إيرانية لانضمام رايات (سنية) تحت لواء الولي الفقيه، للمضي في مشروعها الآثم لتطويق الجزيرة العربية من كل جهاتها، فاعرف عدوك، وعلى الأقل لا تطعن ظهر الصديق!