إيمان أشقر

في بطن حوت

السبت - 22 يناير 2022

Sat - 22 Jan 2022

لماذا يعترينا القلق عند فقد مفتاح؟! هل هو الخوف من فقد ممتلكات لا يعلم مكانها أحد؟ أم أنه الخوف على أسرار أخفيناها عن أنظار الفضول؟!

أيمكن أن يكون خوفا من أن توصد دوننا الأبواب؟! أم أنه الخوف من عدم قدرتنا المرور إلى حيث نريد؟!

لماذا لا تشبه المفاتيح بعضها؟! ولماذا الأقفال في الأصل؟! تلك العلاقة الوثيقة بيننا وبين مفتاح ما، نعتبره حارسا خفيا، ليكون هو شاهد ملك على وجود ما نخفيه ونخشى عليه.

هل للمفاتيح بدائل؟ إن ضاع أحدها يغني عن فقدها آخر.

لم تعد بصمة إبهامنا المفتاح الوحيد الذي قد ينبئ عن مرورنا أو اتهامنا، أصبح هناك شاهد جديد ومفتاح أسرار لا نخشى ضياعه أو فقده. أعيننا تلك التي كانت تفضح ما تخفيه قلوبنا أصبحت مفتاحا وكلمة مرور.

أثمن تلك المفاتيح، مفتاح ذاكرتنا (نثق بأحدهم، نودعه مفتاحها وقد نندم يوما ما). ذاكرتنا ذلك الصندوق الأسود الممتلئ بالسر والعلن؛ أوراق مبعثرة، شخوص بعضها يحمل أسماء، وبعضهم نجهل هويتهم، أحداث نذكرها، وأحداث غطاها الغبار فبهت لونها وجرسُها.

ذاكرتنا تلك التي تئن همسا، وتتوجع خوفا، من أن يسمع صمتها أحد؛ ذاكرتنا التي أجهدناها وقسونا عليها وأشبعناها توبيخا وندما، وأوصدنا أبوابها، صدأ قفلها وأضعنا المفتاح، أما آن لها الآن أن تستريح؟!

بحاجة هي لمن يأخذ بيدها، وأن تستجمع قواها لفتح أقفالها، وترتيب ما احتوت عليه؛ لا بد أن يأتي قرار فتحها نهارا وليس في الظلام لتكون أكثر وضوحا عند ترتيب أحداثها حسب الأهمية، وعند فتحها، لا بد من تمزيق الأعمق رسوخا من الوجع، الأول في الخيانة، من غاب وما زلنا ننتظر عودته، وصاحب البصمة الأخيرة حين رحل! لم يعد يهمنا من هو عراب السهد؟ ومن هو صاحب السهم المباغت الذي أصاب مقتلا.

ذاكرتنا الجميلة تستحق منزلا يليق بها، وترتيبا أجمل، قبل أن نعيد إقفالها. لنُبقي بها تأريخ أفراحنا وأجمل الأيام، الأول في الحب، الأصدق والأكثر وفاء، ذاك الذي عانق السحاب وركب الموج حتى يصل، ذلك الأمين على كلمة السر الذي يملك المفتاح.

لا بد أن نحسن اختيار ما يبقى في ذاكرتنا من نادر الوفاء وأصدق الود، ونبدأ العد في القادم من جميل الذكريات.

قبل أن أغادر سأجعل لذاكرتي مفتاحا مختلفا، سأهمس لها بكلمة سر، أُودعها وأتأكد من أنها سكنت في بطن حوت جائع حتى لا يجدها أحد، سأبقي بابها بدون إقفال.

@DrEmanMA