فهد عبدالله

الطيف الثابت القديم

الخميس - 20 يناير 2022

Thu - 20 Jan 2022

سأحكي لك قصة تمثل طيفا ثابتا منذ القدم منذ أن وضع الإنسان قدمه على الأرض إلى وقتنا الحالي والمستقبل القادم، يولد الإنسان ويبدأ في تفاعله مع هذه الحياة الجديدة بلغة البكاء وينمو بعد ذلك ويترعرع في كنف أسرته أيا كانت إحداثيات هذه الأسرة ويكبر شيئا فشيئا وينخرط في منظومة التعلم الحياتية يسقط تارة وينهض تارة أخرى وتمضي به الحياة حتى يبلغ الرشد ومرحلة المسؤولية وينطلق بعد ذلك في تتبع متطلبات هذه المراحل المتعاقبة والجديدة من حيث الأدوار الفاعلة في محيط الأسرة الداخلي أو في محيط المجتمع القريب وبعد ذلك يمضي به العمر سريعا حتى يصل الإنسان لمرحلة أرذل العمر وعندها تكون نقطة نهاية السطر لهذا الإنسان الفريد أقرب من أي وقت مضى، هذه القصة ثابتة باختلاف الزمان والمكان وحق لها أن نصفها بالطيف الثابت القديم.

لازلت أتذكر تلك الكلمة ذات الأثر السحري التي قالها لي أحد الزملاء بعد تقاعده من العمل عندما سألته كيف وجدت الحياة بعد امتلائها في الحقبة الزمنية الماضية بتضاريس العمل حينها قال لقد كنت في وهم تعبيرا عن أن الحياة أكبر من تلك الاحداثيات العملية التي أخذتني عن تلك التصورات العميقة لمعنى الحياة، بغض النظر عن إسقاطات هذه الإجابة ولكنها كلمة تستحق التأمل والنظر وقرع أبواب الوعي من حيث ما هي الأمور الحياتية التي قد تشغل الإنسان عن معاني حياته العميقة وقبل ذلك ما هي هذه المعاني العميقة وما هي التصورات الصحيحة لكيفية عيش الحياة بالشكل الصحيح فضلا عن الاجتهاد في البحث للوصول لمثل هذه التصورات.

بمجرد استعراض قصة الطيف الثابت القديم يرتبط في داخلي مباشرة تلك الأسئلة الوجودية التي لربما تخاطرت في أذهاننا جميعا مثل من أنا؟ وماذا أريد؟ وإلى أين الاتجاه؟ وكثيرة هي تلك الأجوبة المنقوصة التي آمنا بها وبعد فترة من الزمن تضاءل الإيمان فيها ووجدنا إجابات جديدة فيها وسيبقى الحال فيها هكذا ترددي حسب المدخلات والمعطيات الجديدة وليس الهدف هنا توجيه مقاليد الذهن والعقل نحو هدف أو اتجاه معين وإنما دعوة للالتفات للسعي في تأمل وتدبر أهم سؤال وجواب قد يسأله الإنسان لنفسه وتختلف طبيعة إجابته من شخص لآخر والسؤال هو عن ماهية الهوية الفريدة للكينونة الشخصية؟ والإضافة والأثر الذي يمكن إضافته في هذه الحياة؟ والإجابة المكررة لهذا السؤال قد تجعل منها منقوصة وليس ذلك على الإطلاق.

نيكولاس فيوتش له مقولة تعبر عن خلاصة هذا الموضوع في كتابه حياة بلا حدود (إن لم تستطع الحصول على معجزة واحدة في حياتك، كن أنت المعجزة).

والكلمة الأخرى (قد يكون لديك ذراعان وساقان ولكن ما لم تعرف ثلاثة أشياء، من أنت وما هي قيمتك؟ ما هو هدفك هنا في الحياة؟ ما هو مصيرك عند الذهاب من هنا؟ فأنت معاق)، فيوتش يعاني من متلازمة نقص الأطراف الأربعة ومؤسس منظمة «الحياة بدون أطراف» ومن الأمثلة الحية التي تقدم أدوار ملهمة في حث الآخرين ليجدوا أجوبة أسئلتهم الوجودية.

ابحث في الكتب التي دونها ووسائل التواصل الاجتماعي عن هذا الإنسان وتأمل خلاصات الحياة الحكيمة لديه.

الحياة أعتقد أنها فلسفة تصورات، بمجرد أن تكتسي دواخلك بالإيمان والأمل والابتهاج باللحظة والعطاء غير المشروط والمغامرة والتكيف المستمر وغيرها من المعاني الإيجابية ستقودك هذه العادات النوعية إلى إجابات الأسئلة الوجودية ولو بعد حين وستعرف يوما ما هي البصمة الفريدة التي ستبقي لك الأجر المتزايد والأثر غير المنقطع والذكر الحسن.

fahdabdullahz@