المحميات الطبيعية.. صمام الأمان لاستدامة التنمية البيئية

الأربعاء - 19 يناير 2022

Wed - 19 Jan 2022

خلافاً لما يعتقده الكثيرون، فإن اهتمام الإنسان بالبيئة ليس نتيجة التقدم والتطور الحضاري الحالي، بل يعود إلى ما قبل الميلاد، حيث أقرّ إمبراطور الهند أشوكا في عام 252 قبل الميلاد، قوانين لحماية الأسماك والحيوانات والغابات في الهند. وقبل نحو 12 قرناً من اليوم، ظهرت الأراضي الملكية المحمية في أوروبا، كما سنّ جنكيز خان قانوناً يمنع بموجبه صيد الحيوانات المهددة بالانقراض. وفي بريطانيا وضع الملك ويليام الأول عام 1084م أول خطة لتطوير المناطق المحمية والمحافظة عليها. وفي عام 1821م، أسس عالم الطبيعة والمستكشف تشارلز واترتون أول محمية طبيعية في العالم.

ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، تواصل اهتمام العالم بالمحميات الطبيعية نظراً إلى أهميتها في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال الدور الذي تقوم به في المحافظة على البيئة وتوازنها، والذي ينعكس على عدد من المظاهر البيئية كالجفاف وانجراف التربة. كما أنها في ذات الوقت تمنح الباحثين الفرصة لدراسة النظم البيئية وفهم علاقتها مع تنمية الإنسان والمكان، وتوفر الفرصة لتنمية المناطق النائية وتحقيق الفائدة القصوى من الأراضي، علاوة على أنها فسحة للتنزه والاستجمام والاقتراب من عالم الطبيعة الغني بالجمال.

المحميات في المملكة.. ماض مشرف ومستقبل مشرق

منذ توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- أولت القيادة السعودية المحميات اهتماماً كبيراً، حيث أنشأت المملكة في عام 1986م أول جهة حكومية لحماية الحياة الفطرية هي الهيئة السعودية للحياة الفطرية، لتعلن بعدها بعام عن أول محميتين في المملكة، هما محمية حرة الحرة، ومحمية الخنفة.

وتوالت بعدها سلسلة إنشاء المحميات. ففي عام 1988 تم تأسيس 3 محميات هي: جزيرة أم القماري، ومحازة الصيد، والوعول، وذلك في مناطق مختلفة بالمملكة. ولتعميق التجربة السعودية في إدارة المحميات، تعاونت المملكة مع الاتحاد العالمي لصون الطبيعة لإجراء الدراسات والمسوحات الأحيائية اللازمة لإعداد منظومة المناطق المحمية. وواصلت المملكة جهودها التوسعية في إنشاء المحميات الطبيعية حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، والذي شهدت فيه المحميات تحولاً جذرياً، إذ نصت رؤية المملكة 2030 في مستهدفاتها على حماية وتهيئة المناطق الطبيعية. وفي عام 2018، صدر الأمر الملكي بإنشاء مجلس للمحميات الملكية في الديوان الملكي، يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء. وحدد الأمر الملكي سبع محميات ملكية يشرف عليها المجلس، وكذلك تسميتها وتشكيل مجالس إداراتها.

13 % من مساحة المملكة محميات طبيعية

أسهمت الجهود التوسعية في المحميات الطبيعية، في رفع نسبة المحميات الطبيعية من مساحة المملكة لتصل إلى 13%، مقتربة بذلك من الأهداف العشرية لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع الأحيائي، والتي تطالب العالم بحماية التنوع الأحيائي بمساحة تقدر بنحو 17% من مساحة الدولة. ومع الإعلان عن مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط، أكدت المملكة أسبقيتها في حماية الثروات الفطرية وتنميتها والاستفادة من مواردها، عبر الإعلان عن هدفها في رفع نسبة المناطق المحمية لتصل إلى 30% من مساحة المملكة.

جهود متواصلة تؤكد المكانة التي يحظى بها الملف البيئي بشكل عام والمحميات بشكل خاص، لأنها تمثّل إحدى أبرز وسائل المحافظة على البيئة. ويعرف نظام البيئة المحميات بأنها مواقع برية أو بحرية أو ساحلية تحددها الجهة المختصة، لحماية الكائنات الفطرية وتنميتها. وتتنوع المحميات في أنماط إدارتها وسماتها، ويصنف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) المحميات، وفقاً لأهدافها الإدارية، إلى 7 تصنيفات هي: محمية طبيعية صارمة، منطقة برية، متنزه قومي، نصب تذكاري للمعالم الطبيعية، منطقة إدارة الموائل، المناظر الطبيعية المحمية، المنطقة المحمية للموارد الطبيعية.

محمية الملك عبدالعزيز الملكية وتحقيق التطلعات البيئية

وتعد محمية الملك عبد العزيز الملكية بمنطقة الرياض، إحدى المحميات الملكية التي صدر الأمر الملكي بتسميتها، وتعيين الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز، رئيساً لمجلس إدارتها. وتضم المحمية، في مساحتها الشاسعة التي تتجاوز 28.000 كيلومتر مربع، روضة التنهات وهي أكبر الروضات في الجزيرة العربية، وروضة الخفس، والمناطق المجاورة لهما.

في محمية الملك عبدالعزيز الملكية تلتقي أربعة مواقع ذات مزايا فريدة ومناظر طبيعية، هي: أنظمة الوادي والروضات، هضبة الجبل والمنحدر، والصحراء الرملية. وللمحمية بُعد تاريخي، حيث تتقاطع منطقة المحمية مع خمسة طرق قديمة للقوافل التجارية قبل الإسلام وبعده. وكذلك، استقبل الملك عبد العزيز -طيبّ الله ثراه- فيها عدداً من القادة والسياسيين.

وكجزء من الاستراتيجية التي قام عليها مجلس المحميات الملكية، يرتكز عمل محمية الملك عبد العزيز الملكية على 3 محاور رئيسة، هي: المحافظة على البيئة، التنمية السياحية، النموذج التشغيلي. كما تهدف المحمية إلى التركيز على حماية الحياة الفطرية وإنمائها، وتقديم خيارات متعددة للزوار والضيوف، من بينها أنشطة التخييم والرياضات المتنوعة.

ومنذ انطلاقتها، تعمل المحمية على دعم الطموحات البيئة السعودية، والمساهمة في تحقيق تطلعات القيادة الرشيدة ومستهدفات مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، اللتين أطلقهما سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، وذلك من خلال زيادة الغطاء النباتي في المحمية، واستعادة التنوع النباتي والحيواني فيها، وتجهيز المحمية لتكون وجهة لمحبي السياحة البيئية.