أحمد الهلالي

أرفع عقالي للمثقف الشيعي الحر!

الثلاثاء - 18 يناير 2022

Tue - 18 Jan 2022

من مفارقات المرحلة الماضية انطلاق مشروعين من مشروعات الإسلام السياسي في سبعينيات القرن الماضي، فكانت ثورة الخميني الإسلامية في إيران، وكان الخطاب الصحوي السني في الجزيرة العربية، واستمر الأول وما يزال، أما الثاني فقد أعلنت الحقبة السلمانية في السعودية نهايته منذ 2015م.

ومنذ توسع خطاب الصحوة قارعه المثقفون إلى جوار مقارعة خطاب جماعة الإخوان المسلمين، ودفع بعضهم أثمانا باهظة في سبيل ذلك، أما الخطاب الشيعي، فإن نبرة أعتى ليبرالييه وتنويرييه تخفت حين ينفتح موضوع المراجعة، ويتبدى في هذا الخفوت الاشتباك المعقد بين المذهبي والسياسي والوطني، لكن مع ذلك يجب الاحتفاء بإشراق نماذج من المثقفين الأحرار المنعتقين من هذا الالتباس.

أرفع عقالي عاليا لعدد من مثقفي الشيعة الشجعان، الذين أدركوا خطورة المخطط الإيراني على الوطن والمنطقة العربية، ورفعوا أصواتهم بجرأة وشجاعة داعين إلى ضرورة مراجعة الخطاب الشيعي، واعتبار مصلحة وطنهم المملكة العربية السعودية فوق كل انتماء، وأعلنوا أن شعارات المشروع الإيراني وأكاذيبه لا تنطلي عليهم، ولن يكونوا دمى وأدوات كما كان بعض مثقفو شيعة العراق وسوريا ولبنان واليمن، فاستيقظوا من خدر الشعارات بعد أن أثخنهم الجوع، واستبيحت كرامتهم، ودمرت أوطانهم.

على سبيل التمثيل لا الحصر، أرفع عقالي للإعلامي القدير حسن المصطفى، الوطني الحر الذي لم يصمت حين تجرأ حسن نصرالله على مهاجمة خادم الحرمين الشريفين، فانبرى بتقريره المثبت بالوقائع والأسماء (سعوديون في معسكرات حزب الله!) وقال: «هو غيض من فيض» فإرهاب حزب الله اللبناني أكبر من أن يحتويه تقرير واحد، وكذلك تقريره الأخير في جريدة النهار اللبنانية («لقاء» الضاحية الجنوبية هل يعيد «العنف الثوري»؟)، ولا غرابة، فمثل المصطفى لا يختار الصمت و(الحياد المريب) حين يكون هدف الأعداء (الملك والوطن)؟!

أرفع عقالي للشاعر محمد الحرز، الذي دبج مقالته (الحراك السياسي الشيعي وضرورة المراجعة) وبجرأة المثقف الحقيقي، والوطني الحر، تحدث بصراحة عن المشروع الإيراني الخطير، وعن محاولاته لاستمالة المكونات الشيعية في السعودية والخليج، وانجرار قلة منهم منذ الثمانينيات إلى المشاركة في الثورة الخمينية وحرب إيران والعراق، لكن بعد أن ذاقوا الويلات تراجع بعضهم وعاد إلى دفء الوطن.

أرفع عقالي للأستاذة كوثر الأربش، المثقفة الشيعية الحرة التي لم تستسلم للتنمر والضغوطات التي تعرضت لها داخليا وخارجيا، بل قدمت وطنها ومضت تضيء الطريق للأجيال الشيعية الشابة، المتطلعة إلى المستقبل بعيون صافية، لا يلونها مكر أقطاب (الإسلام السياسي) ولا تقتمها دهون مقولات الملالي الرابضين في ظلمات الماضي السحيق.

أرفع عقالي للشاعر علي النحوي، الوطني الأبي الذي لون حبره بخضرة الوطن، ومضى يمزق سجف الظلام بفكره النير شعرا ونثرا، ويجمع حوله المضيئين، ويسقط كل المكاسب التي جناها (الصامتون) من حسابات خسائره، فإن كسبوا بعض حطام المال والجاه والفرص، فقد كسب (الوطن)، وبرئ من عار الصمت على ما يحاك ضد أرضه وعروبته.

أرفع عقالي للأديب والإعلامي القاص هاني الحجي، الذي تغيظه الاعتداءات الإرهابية على وطنه، فعبر عن استنكاره معتزا بوطنيته، ودافع ونافح عن وطنه وقيادته بجرأة وشجاعة لا تستغرب من أحرار الوطن، وأجزم أن أمثاله من أبناء المذهب كثيرون، وستنطلق أصواتهم الحرة التي تعبر عن مشاعرهم الوطنية الحقيقية.

أحيي كل الشرفاء وهم كثر، لا يعبر غياب أسمائهم هنا إلا عن (تقصيري)، ولا ينقص ذلك من أقدارهم شيئا، وما أزال أرفع عقالي لكل مثقف شيعي حر شجاع، رفع صوته عاليا بالتنوير، وسلك طريق مراجعة الخطاب، حين أدرك إعلاء بلاده لقيم المواطنة، ومحو كل الفوارق المذهبية والعرقية والمناطقية بين مواطنيها، وإرساء موازين العدل والمساواة، واعتبار الكفاءة فيصلا لنيل الفرص، وبعد أن قرأ بوعي الحصيف خطورة المشروع الفارسي القائم على تدمير الأوطان لترسية قواعد إمبراطوريته (الحلم)، فامتطى المذهب لتحقيق مآربه، وألقى بشيعة الوطن العربي نيابة عنه وقودا في أتون حروبه المدمرة، فإن كسب فهو السيد، وإن خسر المعارك فبدماء عربية يمقتها منذ سقوط عرش كسرى تحت حوافر خيل الفاتحين (العرب)!

ahmad_helali@