مرزوق بن تنباك

العودة للتواصل بين الناس

الثلاثاء - 18 يناير 2022

Tue - 18 Jan 2022

كان البعد أو التباعد رغبة ذاتية أو ضرورة اجتماعية لا تحدث في الغالب إلا بين الأفراد أو بين الجماعات القليلة، وكانت أسباب البعد في كل الأحوال صعبة في حالها وفي أسبابها وقلما يحدث التباعد أو يدوم بين الناس، لأن الإنسان اجتماعي بطبعه يحب الخلطة والاجتماع ويستوحش من العزلة والانقطاع، فالعزلة والوحدة خلاف الطبع الذي تطبعت عليه المجتمعات في معاشها وحياتها وتعاونها على أمور الدنيا ومطالبها، وعندما يتم البعد والتباعد اضطرارا أو تفرضه ظروف خاصة لا يحمل صفة الاستمرار والدوام وإنما يكون خيارا مؤقتا بقدر ما تحتمله النفوس، لكنها لا تحتمل الطول بلا نهاية.وقد مر العالم خلال العامين المنصرمين بعزلة اضطرارية ليس له فيها خيار فضل من التباعد حين حل الوباء المخيف والجائحة التي عمت القارات فأجبرهم مرض كورونا على العزلة على مستوى الدول والأسر، بل حتى العزلة والحجر والتباعد في البيت الواحد.

وفي سبيل طلب السلامة صبر الناس وتحملوا تبعات الانغلاق والتباعد وما ترتب عليهما من خسائر كبيرة عمت مرافق الحياة ومعايش الناس ومصالحهم، تضرر الاقتصاد وتضررت العلاقات الاجتماعية وتضرر أكثر وأخطر التعليم في كل مستوياته وفي كل مرافقه لا سيما المستويات الأولى التي يقوم عليها تأسيس مستقبل الأجيال، وتضرر مثل ذلك القطاع الخاص الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد والتنمية، وتضرر العمل الإداري الذي ينظم حياة الناس ومعاملاتهم ومشكلاتهم.

بعد هذا الزمن الطويل لا بد أن يستعيد الناس وجودهم ولو كان على قدر من المخاطرة المحسوبة نتائجها، حيث بدأ الانفراج يأخذ في الاتساع ويحاول المجتمع العودة إلى ما كان عليه قبل الوباء.

ولعل بادرة السماح بالعودة إلى المدارس في جميع المستويات في المملكة بداية خير وبشرى على عودة الناس إلى الحياة الطبيعية وفتح المؤسسات والدوائر الرسمية ذات العلاقة بالجمهور أمام الناس الذين تتعلق أعمالهم فيما تقدمه هذه المؤسسات بكل أنواعها وصلات المراجعين لها.

فالتواصل المباشر هدفه إنجاز أعمال المراجعين والاتصال بالمسؤولين وعدم تعطيلها أو تأخير البت فيها مع أن المؤسسات ذات العلاقة بالجمهور حاولت في السنتين الماضيتين القيام ما أمكن بواجبها عن طريق ما توفر من وسائل التواصل الممكن عن بعد، وهو تواصل لا يكفي وفيه عثرات وانقطاعات صعبة.

لأن تواصل الناس مع بعضهم وتقابلهم في قضاء حاجاتهم شيء لا يكفي عنه التواصل المرئي ولا المسموع لسبب معقول، وهو أن مثل هذه الوسائل مهما كانت كفايتها لا تقوم بما يقوم به الاتصال وجها لوجه في جميع المرافق التي تقوم على خدمة الجمهور المعتاد على مباشرة حاجاته بنفسه واتصاله بمن يكون لديه الأمر، وما أكثر ما بين الناس من القضايا والمشكلات التي يتطلب حلها أعمالا كثيرة وتعاونا بين الأطراف ذات العلاقة وتواصلا مباشرا وليس من وراء حجاب.

والمأمول أن تكون العودة المباشرة والتعامل المباشر شاملين كل مرافق الدولة، وأن تفتح المؤسسات الرسمية أبوابها للمراجعين وأصحاب القضايا التي تعلق بهم وبمصالحهم بدل التواصل عن بعد الذي كان ضرورة زالت أسبابها أو لعلها في طريقها للزوال، والاتجاه في المجتمعات هو العودة إلى الحياة الطبيعية في جميع المرافق والخدمات التي يرتادها الجمهور سواء كانت هذه المرافق خاصة أو عامة تدعو الضرورة إليها.

Mtenback@