عبدالرحمن الزهراني

تجار شنطة الجودة!

الاثنين - 17 يناير 2022

Mon - 17 Jan 2022

الحديث عن الجودة والتميز في مختلف المجالات ممتع وشيق، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها إنتاج منتجات ذات جودة عالية، وأكثر كفاءة في أقل وقت وأقل تكلفة وفق أسس علمية ومعايير عالمية من صنع الإنسان وفكره، وتحول المنشآت بمختلف صورها وخدماتها إلى حيز الإنجاز والإبداع والابتكار.

تحدثنا في مقالات سابقة عن جائزة الملك عبدالعزيز للجودة التي تعتبر أم الجوائز والمظلة الرسمية لجميع جوائز الجودة والتميز في المملكة، وتطرقنا لعزوف الجامعات السعودية عن المشاركة فيها والتي بلغت 9% فقط من الجامعات السعودية الحكومية والأهلية التي شاركت فيها على مدى الـ22 سنة الماضية، رغم حرصها على المشاركة والدخول ضمن تصنيفات عالمية مشبوهة لا تعكس الواقع الحقيقي للجامعات ومخرجاتها، كما تطرقنا في مقال آخر إلى خلو سجل جائزة الملك عبدالعزيز للجودة من (47) إدارة تعليمية موزعة على مناطق ومحافظات وطننا الغالي، جميعها تضم إدارات للجودة وقياس الأداء، وجميع المقالات السابقة موجودة على موقع صحيفتكم، صحيفة مكة، في صفحة الرأي لمن أراد الاطلاع عليها.

اليوم سوف نتحدث عن بعض مكاتب بيع شهادة الجودة التي باتت ملفتة للنظر التي يقوم البعض منها بمنح شهادة الجودة لجهات حكومية وأهلية مقابل مبالغ مالية وتطبيق معايير بسيطة تطبق فقط لمرة أو مرتين خلال أسبوع، أو أقل منه في المنشآت من أجل الحصول على شهادة الجودة، أي أن معاييرها ونماذجها وقتية، تنتهى هذه المعايير بانتهاء تعليق شهادة الحصول على الجودة في المداخل والمخارج والممرات والغرف والقاعات، ويتم الإعلان عنها في الصحف الالكترونية والورقية وفي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الشهادة في الحقيقة لا تعكس الواقع ولا تطور الأداء، فقط تستخدم كنوع من الدعاية للمنشآت لاصطياد العملاء وإيهامهم بأنه لا مثيل لهم، وأن المبالغ التي يتقاضونها مقابل الخدمة لا تساوي شيئا مقابل جودة الأداء وقوة المنتج. ومن أنواع شهادات الجودة ومسمياتها التي غزت بعض القطاعات الحكومية والأهلية، نظام إدارة السلامة والصحة المهنية (OHSAS18001)، ونظام إدارة الصحة والسلامة (ISO 45001)، ونظام إدارة المختبرات (ISO 17025)، وتطوير الأجهزة الطبية أو التطبيقات (ISO13485)، نظام إدارة الجودة (ISO 9001)، وغيرها من نماذج شهادات الجودة التي لا يتسع المجال لذكرها جميعا، ولا يكاد يخلو مستشفى أو مستوصف أهلي أو مدرسة أهلية من هذه الشهادات التي تعد لها الاحتفاليات، ونحن هنا لسنا ضد ثقافة الجودة ونشرها في مجتمعاتنا الحكومية والأهلية ولكنها للأسف في أغلب المنشآت لا تعكس الواقع، وربما أن بعض الجهات الحاصلة على شهادة الجودة تحتاج إلى سنة ضوئية من أجل الوصول إلى أدنى معايير الجودة التي من المفترض أن تنعكس على مستوى الخدمات بما يتناسب مع شهادة الجودة الحاصلة عليها.

للأسف أغلب الاعتمادات والشهادات والجوائز في مختلف القطاعات التي تباهي بالجودة والتميز هي تؤصل لثقافة المظهر على حساب الجوهر، وفق إنجاز وتطور على الصعيد الورقي على حساب الممارسات الفعلية.

إن تأثير هذه الشهادات على سلوك المنظمة وأدائها منخفض جدا، ولا توجد فروق واضحة يمكن قياسها بين بعض الجهات الحاصلة على شهادات الجودة مقارنة بغيرها ممن لم تحصل عليها، الأمر الذي يدعو هذه المنظمات إلى العمل على سد الفجوة ومعالجة الخلل، حفاظا على ماء وجه الجودة والجهات المانحة لها.

ويرجع تفشي شهادات الجودة الوهمية إلى قلة الوعي لدى المنظمات والمنشآت الباحثة عن شهادات الجودة لا عن الجودة نفسها، حيث قاموا بتوفير معايير شكلية ونماذج أوراق ولم يراعوا توفر الممارسات الصحيحة بها، إضافة إلى ضعف كفاءة الجهات المانحة للشهادة وخاصة الحاصلة على الاعتمادات الخارجية وعدم التزامها بمعايير وضوابط جهة الاعتماد الأساسية، التي عادة يتلاعب بمعاييرها الوكلاء المانحون لشهادات الجودة من أجل حفنة دراهم معدودة، هذا بخلاف انتشار ثقافة الجودة وتنافس القطاعات للحصول عليها حتى باتت مجرد شهادة بعيدا عن التزام المنشآت وموظفيها بتطبيق منهجيات وممارسات للعمل وفق أسس علمية تسير العمل وتحكم جودته وتساهم في كسب رضا المستفيدين، وتراجع مخرجاتها وتقويم أعمالها بشكل مستمر.

وهنا ندعو الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، كونها الجهة الرسمية المعنية بالجودة ومعاييرها في القطاعات الحكومية والأهلية، بالبحث والاهتمام في هذه القضية الخطيرة، ونتمنى أن يكون لديها قاعدة بيانات لجميع الجهات الحكومية والأهلية التي حصلت على شهادات الجودة حسب مجالها واهتماماتها قبل أن تتحول شهادات الجودة إلى ظاهرة (أكذوبة)! لا تعكس الواقع وتتخذ وسيلة لخداع الناس والمتعاملين مع هذه الجهات، كما نأمل أن تتضمن قواعد بيانات الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس بيانات الجهات المانحة والتأكد من صلاحيات ونظامية دخولها لسوق العمل السعودي وفق اللوائح والأنظمة التي تحكم ذلك، إضافة إلى تصنيف مكاتب التأهيل المؤهلة للحصول على شهادات الجودة والتميز ومدى كفاءة القائمين عليها.

نقطة ضوء: يجب البحث عن معايير الجودة الحقيقية نفسها وتطبيقها في المنشآت لا عن شهادة الجودة التي عادة تفقد قيمتها ما لم تطبق معاييرها.

DrAlzahrani11@