شاهر النهاري

الحرب العالمية الثالثة تختلف

الاثنين - 17 يناير 2022

Mon - 17 Jan 2022

ليس بمجهول ما نتج عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، حين دُكت مدن وحضارات، وقُسمت وأبيدت دول ونشأت بدائل عنها، وكان المتعاركون الأقوياء حينها يتمتعون بغباء عظيم وضيق رؤية، فكانوا يحاربون بعضهم البعض بالمواجهات المباشرة، ليكتشفوا أنهم قد خسروا الكثير من طاقاتهم وحضاراتهم وشعوبهم واقتصادهم وتقدمهم واستقرارهم، وهذا ما لا يفكر فيه صناع الحرب العالمية الثالثة، وبخبث أعظم وفوقية في التصارع، وبما يضمن عدم تدمير حضاراتهم، بالمواجهات المباشرة بينهم.

حربهم القادمة ستكون محصورة في مناطق التخلف، التي ظلوا يسيطرون عليها طيلة العقود الماضية، وستكون حروبهم أكثر شدة وإفناء على شعوب تعيسة تعودت الفوضى، والحروب العقائدية والإرهاب كدول الشرق الأوسط، وأفغانستان، وما حولها من بحار ومضائق، وموانئ.

وسيكون المحيط الهادئ وبحر العرب محطات صراع بحري مفتوح، وستُحرَق جزيرة القرم، وأوكرانيا، وأذربيجان، وأرمينيا، ومقدونيا، وفنزويلا، وكولومبيا، وبوليفيا، والإكوادور، كونها تمثل عين الأهمية الاستراتيجية والسلطوية بالنسبة للمتحاربين.

ميادين تجارب وحروب من على البعد، وفرد عضلات، ولوي ذراع المنافسين، ودون الإضرار بهم مباشرة، ضمن عقود شرفية تُحتَرَمُ بينهم بالمحافظة على أمن دولهم، وتحريم استهداف القبب الحديدية بالأسلحة المتطورة، والضربات النووية.

أما في خارج دول الكبار فسيتم حرق الأخضر واليابس، وتغيير ديمغرافية ومعطيات الخرائط العالمية.

ولا عجب فالدوافع لذلك تنبع من واقع التحديات التصنيعية والتقنية المذهلة، ولذة الشعور بالهيمنة، والرغبة الأكيدة في تحديث مقامات الدول الأوائل عالميا، وقد تنزل أمريكا عن المركز الأول، وتقلب الصين المعادلات الاقتصادية والعسكرية ومناطق النفوذ، وتُعطى روسيا كتفا قانونيا، وسيتم افتضاح ركاكة الاتحاد الأوروبي بفعل تواجد المهاجرين.

وربما تتقدم بعض دول الوسط للمراكز الأولى، مثل أستراليا واليابان، وكوريا الشمالية، وكندا، باستحقاق المكانة العسكرية والاقتصادية والتقنية ومفاجآت تسليحهم الحالي.

الحرب العالمية الثالثة ستكون منهجية فلتر عظيم، يفصل المكونات والألوان، وبذلك ستزول عشوائيات الدول الأواسط والأواخر، وتغدو غابات للمتوحشين المتناحرين، مع تعزيز ودعم وتأكيد الحروب والإرهاب، واستغلال فرص التخلص من الأسلحة المخزنة، وتقليص أعداد بشرية الأوطان الهشة المغبرة الركيكة، وصنع مستعمرات منتقاة للحالمين بالعودة إلى أرض المعاد.

وللأسف أن كل ذلك لا يتم إلا بمساعدة عملاء أغبياء حالمين بالنجاة والاصطفاف وسط الكبار بقدر ما يخونون جيرتهم ويهيئون الأوضاع لسطوة المستعمرين.

الحرب العالمية الثالثة، لا مكان فيها للضعفاء، ولا لاقتصاد لا يحمي ذاته، ولا يصنع سلاحه، والأهداف هنا تتجه للفضاء الخارجي واستجلاب معادنه.

الحرب الثالثة ستفني البشر المراوحين في جمود وتخلف أماكنهم، وممن لم يتمكنوا من التقدم في العلوم والمعرفة، والتكنولوجيا والصناعات العسكرية والدقيقة، ولم يضعوا أقدامهم على نفس خطوط تمكن الطغاة.

الكيماوي والجرثومي والأوبئة المستحدثة ستكون المبيدات المضمونة لغير المرغوب بوجودهم.

ودول المهجر ستتوج حروبها بعمليات تهجير معاكس، لإعادة أغلب المهاجرين إلى بلدانهم المحترقة، ودون مراعاة لما كان يدَّعى من حقوق إنسان، وبإيجاد أسباب مقنعة لعودة العنصرية.

كل دولة عظمى لن تتعمد أذية دولة عظمى مقابلة، ولكنها ستضعها في منظور حرصها، وتوالي التسابق معها في التقدم العلمي، لتُنَصب نفسها في المكانة الأرضية، التي تستحقها، وسط تحديات ومواصفات عالمية جديدة تحترم قدراتها وعقولها وسيطرتها، بقدر ما تحصنت وهدمت وأفنت من بشرية، وبعقيدة أن استحياء الأرض والبيئة المتعافية يحتاج لتقليص الهباء!

shaheralnahari@