أحمد محمد الألمعي

الصدمة النفسية في زمن الأوبئة

الاثنين - 17 يناير 2022

Mon - 17 Jan 2022

يؤثر انتشار الجائحة والإغلاق المفاجئ للمرافق والحجر الصحي للمجتمع والدول تأثيرا كبيرا على حياة الناس اليومية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهنا يشعر الإنسان بالقلق والخوف الذي يتعلق بالموت والعزلة والفراغ والحرية. وعلى هذا النحو، يتغير تفاعل الأفراد وعلاقتهم بالذات وبالآخرين والعالم، وقد يكون القلق وجوديا ناتجا عن قرارات وأفعال وخيارات سابقة، وقد يؤدي ذلك إلى الشعور بالذنب أو الندم الوجودي بسبب الإحساس بضياع الفرصة.

ويتمحور القلق الوجودي حول ثلاثة مجالات وهي: المجال الأول: القلق بشأن المصير والموت المرتبط بالخوف من الإبادة المطلقة التي قد تنجم عن التهديد بالموت مع الوعي بموت الإنسان. المجال الثاني: القلق من الفراغ وانعدام المعنى الذي يشير إلى تهديد الفرد بعدم الوجود وعدم قيمة الحياة. المجال الثالث: القلق بشأن الذنب والإدانة الذي يُعرَّف بأنه نتيجة التهديد للتأكيدات الذاتية الأخلاقية والمعنوية، وينشأ ذلك عندما لا يرقى الفرد إلى معاييره الأخلاقية.

عادة ما ينشأ اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بعد التعرض لأحداث مرعبة أو شديدة التهديد، ودلت الدراسات أن أكثر أشكال الصدمات شيوعا التي تؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة تشمل الموت غير المتوقع لشخص قريب، أو الاعتداء الجنسي، أو المرض الخطير أو إصابة شخص قريب، أو إنجاب طفل بمرض خطير، أو العنف من قبل الزوج أو مقدم الرعاية. لوحظ ارتباط اضطراب ما بعد الصدمة بنوعية الحياة والضعف الوظيفي، والتي تزداد مع زيادة شدة الأعراض، بالإضافة إلى ذلك، يرتبط اضطراب ما بعد الصدمة بمعدلات عالية من الآلام المزمنة، مشاكل في النوم، الضعف الجنسي، إضافة إلى الخلل الوظيفي الإدراكي، كما وجد أنه قد يزداد خطر محاولات الانتحار مرتين إلى ثلاثة أضعاف بسبب وجود اضطراب ما بعد الصدمة.

ووجدت دراسات حديثة ومتعددة قامت بالتحقيق في اضطراب ما بعد الصدمة أن بين المرضى الذين يتعافون من مرض الفيروس التاجي، تراوحت نسبة المصابين باضطراب ما بعد الصدمة بين 12.4% و31.0% ولوحظ أيضا أن المعدلات المرتفعة للأمراض الشديدة والوفاة المحيطة بالتفشي أثناء الجائحات قد تشكل صدمة نفسية.

ونتيجة لذلك، قد يكون اضطراب ما بعد الصدمة لدى الناس متكررا أثناء الجائحات وقد يكون مرتبطا بمخاوف تتعلق بسياق المرض المتفشي.

كما أشارت أيضا دراسات متعددة إلى ارتفاع في معدلات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بين الكادر الطبي في أقسام الطوارئ في المستشفيات تصل إلى 22%، ويعزو هذا الارتفاع الكبير أثناء الجائحات إلى تعرض العاملين في الرعاية الصحية لضغوط كبيرة ومتزايدة، مثل النقص الشديد في الموارد والتجهيزات الطبية بما في ذلك الأدوية، تكدس المرضى في المستشفيات، النقص الحاد بين الكوادر الطبية، الانخفاض الحاد في معايير الرعاية الصحية، وهذا التغيير يعتبر مصدر قلق كبير، إضافة إلى ذلك، وجد الباحثون ارتفاعا كبيرا في مستويات من الإجهاد لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية أثناء الوباء أو الجائحة بنسبة تصل إلى 18-80% وتشمل أسباب الإجهاد زيادة أعباء العمل، التكيف والعمل مع بروتوكولات علاجية جديدة ومتغيرة بصفة مستمرة، استخدام معدات الحماية الشخصية (PPE) أثناء تقديم الرعاية الطبية خاصة رعاية مرضى الحالات حرجة، إضافة إلى الحاجه إلى تقديمهم الرعاية الطبية إلى الزملاء الذين أصيبوا بالمرض، والمخاوف من انتقال العدوى لأنفسهم وأسرهم.

تتميز أعراض ما بعد الصدمة التي تظهر خلال الجائحات على المسعفين وأفراد الكادر الطبي بسمات معينة، مثل الذكريات المؤلمة أوالكوابيس المتعلقة بالحدث الصادم، إحياء الحدث كما لو كان يحدث مرة أخرى، رفض الحديث وتجنب التفكير في الحدث الصادم، الشعور بالضيق الشديد أو بردود فعل جسدية مثل تسارع ضربات القلب وتعرق اليدين عند التعرض لأمر يذكر المريض بالحدث، فقد أو قلة الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة في الماضي، تجنب الأماكن والأنشطة التي وقع فيها أو تذكر بالحدث الصادم، الشعور باليأس أو الذنب أو تدني قيمة الذات، الانعزال عن المجتمع وزيادة المشاعر السلبية تجاه الذات أو الآخرين، الشعور بالخدر العاطفي أو عدم القدرة على تجربة المشاعر الإيجابية أو السلبية، اليأس من المستقبل، الشعور بالذنب أو الاكتئاب أو القلق، صعوبة الحفاظ على العلاقات الوثيقة، اضطرابات النوم، الفزع والغضب والارتباك والحذر، التوتر الدائم، الهيجان والنوبات العدوانية، سلوكيات التدمير الذاتي، عدم القدرة على التركيز بما في ذلك عدم تذكر الجوانب المهمة للحدث الصادم، انخفاض أداء العمل الوظيفي و كثرة الغياب عن العمل، زيادة استهلاك الكحول أو إدمان المخدرات، ردود الفعل غير المناسبة على المواقف العادية والسلوك الخطير أو المدمر للذات.

@almaiahmad2