عبدالله قاسم العنزي

التوثيق الكتابي لحفظ الحقوق

الاثنين - 17 يناير 2022

Mon - 17 Jan 2022

لا يمكن أن يستغني الناس عن التعامل بالعقود الآجلة خاصة مع التوسع الكبير وتنوع التبادل التجاري بين المؤسسات والأفراد، وقد تعامل الناس بالعقود الآجلة منذ القدم، فإننا لا نبالغ إذا قلنا إنه بات ضرورة من ضروريات الحياة، وهذا الانتشار الواسع للمعاملات الآجلة صاحبته صور كثيرة لتضييع الحقوق، وعلى ذلك كان التوثيق الكتابي من أهم الضروريات المقترحة لتوفير قدر من الضمان بين المتعاملين (الدائن والمدين).

إن الآية التي نصت على توثيق الديون بين الناس هي أطول نص في القرآن الكريم كما في قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه...»، لذا تعد الكتابة من أهم طرق إثبات الحقوق، وقد حثت الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية على ضرورة توثيق الحقوق بالكتابة، ونذكر أبرز صور التوثيق الكتابي المعاصر على النحو التالي:

أولا: الورقة الرسمية، وهي المحرر الكتابي الذي يصدر من الدوائر الرسمية الحكومية وما في حكمها من المؤسسات العامة التي تخضع لسلطان الدولة وأنظمتها، وهذه المحررات حجة قاطعة على الجميع ما لم يثبت تزويرها أو يطعن فيها بالتزوير.

ثانيا: الورقة العرفية، وهي عبارة عن سند معد على وجه الخصوص لإثبات الحق ويتولى تحريره وتوقيعه أشخاص عاديون، وتستند الورقة العرفية أساسا على التوقيع الصادر من الدائن والمدين أو على الأقل من المتعاقد الملتزم، ونؤكد أن التوقيع ينطوي على معنى الجزم بأن

الورقة صادرة من الشخص الموقع ولو لم تكن الورقة مكتوبة بخطه.

كما لا يشترط في تحرير الورقة العرفية شكل معين، بل هي متروكة للمتعاقدين، ومن حيث حجيتها فهي ليست حجة بذاتها من حيث صدورها من موقعها وسلامتها المادية بل حجيتها تتعلق بعدم إنكار الشخص لتوقيعه، فإذا اعترف صراحة بصدورها منه وثبتت سلامتها تصبح حينئذ حجة في الإثبات.

ثالثا: الرسائل ويدخل في ذلك الرسائل الالكترونية، فإن الناس اعتادوا المراسلة في الكثير من معاملاتهم واستخدام المراسلة الكتابية والمراسلة الالكترونية وقوة الرسائل في إثبات الحق كقوة الأوراق العرفية في الإثبات.

رابعا: الدفاتر التجارية، وهي عبارة عن محررات عرفية والغرض من إلزام التجار بإمساكها هو تنظيم وضبط معاملاتهم التجارية، فقد أصبحت هذه الدفاتر حجة يجوز للتاجر الاحتجاج بها إذا كانت منتظمة ويجوز للخصم -الطرف الآخر- في حالة ثار نزاع بين تاجرين أن يطلب من المحكمة ناظرة النزاع أن تأمر التاجر بتقديم دفاتره التجارية لاستخلاص ما يتعلق بالنزاع المعروض عليه من هذه الدفاتر.

خامسا: الكتابة الالكترونية لأن التعاملات بين الناس تطورت تلبية للتغيرات المستمرة في الحياة التجارية ولم يعد التعامل بين الدائن والمدين محصورا على صورته التقليدية من محررات مادية ورقية، بل أصبح هناك توثيق وتعاملات الكترونية أقرتها الأنظمة والقوانين.

وفي الختام: فإن الكتابة لها ميزة خاصة في توثيق الحقوق بين الدائن والمدين، وهي الوسيلة الوحيدة التي تضمن حفظ آثار المعاملات في المستقبل وضبط التصرفات من التغيير، ولا تقوم مقامها الشهادة ولا تغني عنها لاحتمال الطوارئ الكثيرة على الشهود كالنسيان ونحوه؛

وعلى العموم فالكتابة أهم وسائل حفظ الحقوق، فلا تقدم على معاملة تجارية أو مدنية حتى توثقها بالكتابة.

expert_55@