سطورهم الأولى!
تفاعل
تفاعل
الأحد - 07 أغسطس 2016
Sun - 07 Aug 2016
قبل سنتين كنت أدرّب طلابا على تطبيقات في الخط العربي من مادة القواعد الكتابية في إحدى المعاهد، فكان الروتين المعتاد: منهج تلزم الطلّاب بالقيام بحقه استماعا للشرح وتطبيقا في الكتاب، فدهشت إذ لم تنقض تلك السنة الدراسية حتى ظهرت مواهب دفينة في رسم الخط لأربعة من الطلاب دون جهد عظيمٍ غير معتاد أنسبه لنفسي وألتحف بثوب زوره، إلا انتباه عارض لما أبدعوه ثم تنبيههم بعفوية على إمكانية وجود الموهبة لديهم وتشجيعهم بالكلمة الطيبة أو بإهداء قلمِ خطّ يرمز إلى ما رأيته فيهم، فأدرك هؤلاء وجود هذه الموهبة فيهم لمجرد (تجربة) قاموا بها في سياق يوم دراسي رتيب يؤدون حقه مرغمين من أهاليهم.
كما أدركوا أيضا مع مرور الأيام أن قدرتهم تتطور مع تكرار الممارسة فأصبح رسمهم للخط أسرع، واستيعابهم للفروقات بين أنواعه أوسع، وكنت إذا ذكرت في حضرتهم أسماء الخطوط ونماذجها تطاولت أبصارهم نحوي حتى تكاد أعينهم تقفز خارج رؤوسهم لأنهم رأوا أن الأمر يعنيهم وكأنك تذكر فردا من عائلتهم.
تعلّمت من هذه التجربة أنّ الذي لا يفحص نفسه في شتى الأمور (فيغذّي فضوله ويغامر ويفشل ويتنقل بينها حتى يُوفّق في بعضها أو في واحد منها) تصير موهبته مومياء مدفونة في مقبرة منسيّة، وكم من مواهب مقبورة في أجسادٍ تصحّرت هممها بسبب الهيام بالكسل وإدمان مخدّر الترفيه. يقول الجاحظ في معرض وصيته لالتماس البيان والسعي لمنزلة أهله: «وأنا أوصيك ألا تدع التماس البيان والتبيين إن ظننت أن لك فيهما طبيعة، وأنهما يناسبانك بعض المناسبة؛ ولا تهمل طبيعتك فيستولي الإهمال على قوّة القريحة، ويستبد بها سوء العادة».
فالذي لا يسبر أغواره بالذهاب إلى متجرٍ للكتب ينقّب صفحاتها ويطوف بين فنونها لينتقي ما مالت إليه نفسه من عناوينها، كيف سيدري عن الفنّ الذي يستهويه؟! والذي لا يقرأ القصيد ويحاول النظم على منوال حكمائه فلن يجلي براعته فيها أو تمنعه عنها إلا هو.
ولك أن تلاحظ أثر تطبيقات الرسم والتلوين وأساليب نشرها داخل هواتفنا الذكيّة ذات الأقلام الالكترونية كيف كشفت عن مواهب دفينة عند أقوام ما علمنا بمواهبهم وما دروا هم عنها إلا بعد أن جرّبوا تلك التطبيقات في ساعة ملل ولحظة (فضول)، ففاجَأتهم.. وأذهلَتْنا.
فحذار أن تكون أجسادنا مقبرة متنقّلة لمواهبنا، ولننتبه من خديعة المرفّهات اليوميّة الموهِمة، فقدرة هذه التوافه على التنكّر بمظهر الهواية أعمت أجيالا وأضاعت أعمارا ومزّقت سيرا ذاتية عظيمة.. في سطورها الأولى!
كما أدركوا أيضا مع مرور الأيام أن قدرتهم تتطور مع تكرار الممارسة فأصبح رسمهم للخط أسرع، واستيعابهم للفروقات بين أنواعه أوسع، وكنت إذا ذكرت في حضرتهم أسماء الخطوط ونماذجها تطاولت أبصارهم نحوي حتى تكاد أعينهم تقفز خارج رؤوسهم لأنهم رأوا أن الأمر يعنيهم وكأنك تذكر فردا من عائلتهم.
تعلّمت من هذه التجربة أنّ الذي لا يفحص نفسه في شتى الأمور (فيغذّي فضوله ويغامر ويفشل ويتنقل بينها حتى يُوفّق في بعضها أو في واحد منها) تصير موهبته مومياء مدفونة في مقبرة منسيّة، وكم من مواهب مقبورة في أجسادٍ تصحّرت هممها بسبب الهيام بالكسل وإدمان مخدّر الترفيه. يقول الجاحظ في معرض وصيته لالتماس البيان والسعي لمنزلة أهله: «وأنا أوصيك ألا تدع التماس البيان والتبيين إن ظننت أن لك فيهما طبيعة، وأنهما يناسبانك بعض المناسبة؛ ولا تهمل طبيعتك فيستولي الإهمال على قوّة القريحة، ويستبد بها سوء العادة».
فالذي لا يسبر أغواره بالذهاب إلى متجرٍ للكتب ينقّب صفحاتها ويطوف بين فنونها لينتقي ما مالت إليه نفسه من عناوينها، كيف سيدري عن الفنّ الذي يستهويه؟! والذي لا يقرأ القصيد ويحاول النظم على منوال حكمائه فلن يجلي براعته فيها أو تمنعه عنها إلا هو.
ولك أن تلاحظ أثر تطبيقات الرسم والتلوين وأساليب نشرها داخل هواتفنا الذكيّة ذات الأقلام الالكترونية كيف كشفت عن مواهب دفينة عند أقوام ما علمنا بمواهبهم وما دروا هم عنها إلا بعد أن جرّبوا تلك التطبيقات في ساعة ملل ولحظة (فضول)، ففاجَأتهم.. وأذهلَتْنا.
فحذار أن تكون أجسادنا مقبرة متنقّلة لمواهبنا، ولننتبه من خديعة المرفّهات اليوميّة الموهِمة، فقدرة هذه التوافه على التنكّر بمظهر الهواية أعمت أجيالا وأضاعت أعمارا ومزّقت سيرا ذاتية عظيمة.. في سطورها الأولى!