علي المطوع

سباق التسلح في الخليج

الاحد - 16 يناير 2022

Sun - 16 Jan 2022

تصريح مقتضب لمفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية جوزيب بوريل، أعرب فيه عن تفاؤله باتفاق القوى العالمية على استئناف الصفقة النووية مع إيران والمبرمة عام 2015.

هذا التصريح يلفت انتباه رجل الشارع البسيط في الخليج، كونه خبرا مقلقا تناقله الإعلام وخبراء السياسة، فالمفوض الأوروبي يشير إلى أن الاتفاق سيكون بين القوى العالمية من جهة وإيران فقط، وكأن لا أحد في المنطقة العربية يهمه هذا الأمر ويزعجه، والأغرب وصفه لحالة الاتفاق المرتقبة بالصفقة، وهذا المعنى يعكس حالة من البراغماتية العالية جدا بين الغرب والشرق من جهة وبين إيران التي تستعد لأن تكون دولة عظمى في المنطقة، والبراغماتية هنا وفي عالم السياسة عموما تقتضي وتعني في أي صفقة تلوح في الأفق أن يكون هناك طرف رابح وآخر يتجرع مرارة الخسارة وتبعاتها، وهو ما يُراد للمنطقة الخليجية من وراء هذه الصفقة القريبة جدا كما تشير المؤشرات والمآلات المرتقبة لهذه المفاوضات وإن كانت في شكلها ونتائجها أقرب للمقايضات السياسية الغريبة.

وهنا نتساءل، هل ستقف الدول الخليجية مكتوفة الأيدي وهي تشاهد إيران وقد أعيدت إلى وضع اقتصادي طبيعي يتيح لها التنفس من جديد والتحكم في مصير المنطقة؟

الجواب المنطقي لا، لأن الغرب من خلال هذا الاتفاق المرتقب لن يهتم لبرنامج إيران الصاروخي وتدخلاتها الدائمة في شؤون دول المنطقة، بل ويمكن أن يذهب أبعد من ذلك، مقابل اتفاق شكلي يتعلق ببرنامجها النووي، ومع الأسف فإن المؤشرات تقول إن هذا الاتفاق المرتقب لن يمنعها بالكلية من مواصلة برنامجها المخيف في تخصيب اليورانيوم، بقدر ما يؤخره إلى أمد قد يطول وقد يقصر تبعا للمزاج الغربي تجاه المنطقة وشعوبها المستضعفة والمستهدفة من هكذا صفقات!

إن مآلات الأمور وتشعباتها في ظل سياسة إيران العدائية والتي تقوم على مبدأ تصدير الثورة إلى الخارج، وفي ظل تحذيرات سابقة لبعض الدول الخليجية من أنها ستحصل على السلاح النووي إذا تمكنت إيران من إنتاجه، فإن القادم لا محالة سيكون سباق تسلح خطير، كون الوضع في المنطقة لا يحتمل أن يكون السلاح النووي متاحا لدولة دون بقية الدول، إضافة إلى أن التوازن في المنطقة سوف يختل لصالح دولة معادية

لا تتورع عن القيام بأي نشاط عدائي ضد دول الخليج المسالمة.

قد يكون الغرب يعرف أبعاد هذه الأمور وربما يتوقعها، ولكن دول الشرق في ظل الهيمنة الغربية على المنطقة والعالم قد لا تمانع مستقبلا في تزويد دول الخليج الغنية بما تحتاجه من تقنيات وخبرات لصناعة سلاح نووي، وخاصة أن هذه الدول -الخليجية- تملك الملاءة المالية التي تعينها على ذلك.

إن هذا التوقع الغريب والواقع المنتظر قد يكون مقبولا من الناحية النظرية، ولكنه عمليا يحتاج إلى ظرف سياسي موات لدول الخليج لتفعيله، وهو ما ستوفره إيران للمنطقة وللمجتمع الدولي في ظل انتهاجها سياسات معادية للجميع، وهذا ما قد يجعل السلاح النووي لدول الخليج خيارا أخيرا ودائما لحفظ التوازن المطلوب لاستمرار السلام في المنطقة ولضمان عدم انزلاقها إلى حروب قد تهدد اقتصاد العالم بأكمله.

الصفقة الغربية القادمة مع إيران بدأت عدها التنازلي، ودول الخليج العربية يجب أن لا تكون في هذا الاتفاق وما بعده مجرد شاهد على العصر، فشعوب المنطقة قبل حكوماتها تعي خطورة تنفذ إيران الأخير، من خلال غطاء سياسي يوفره الغرب لها، اسمه الاتفاق النووي، وهذا ما يجعل خيار امتلاك هذا السلاح لدول الخليج العربية خيار موت أو حياة كونها إن لم تفعل ستكون تحت رحمة نظام متغطرس لا يعترف إلا بنفسه وبقوته وتاريخه وثقافته التي يريد رسمها من جديد على انقاض دول وشعوب لا يراها إلا امتدادا طبيعيا لثورته التي يريد لها اكتساح المنطقة وإعادة تشكيلها من جديد.

alaseery2@