زهير ياسين آل طه

الذكاء في تدوير النفايات المادية والنفسية

الاحد - 16 يناير 2022

Sun - 16 Jan 2022

التدوير بأنواعه ذو شعارات جميلة ومهمة في استدامة الحياة البيئية ونقائها وجودتها وعدالتها وتطورها وازدهارها، ومقلقة أيضا للآثار المترتبة على من لا يتناوله باحترافية علمية وإنسانية ليقلل الجوانب الرمادية منه، وهو يتردد كثيرا في قطاعات متعددة في حياتنا، ولا ينفصل عن محور الاستراتيجيات المستقبلية لأي توجه تطويري، بل ملازم أيضا للتحركات التي تتخذها الأمم المتحدة في أهدافها 17 للتنمية المستدامة وفي المواصفات والمقاييس العالمية.

فهو مرتبط بالنفايات المادية كما نعهدها من جهة متعمقة في إعادة تدويرها واستغلالها بدلا من طمرها، ومرتبط أيضا بالمعرفة والقيادة والمناصب الإدارية والتشغيلية في نماذج متعددة قد لا يستوعبها من لا يلم بأهدافها التطويرية في السلك العملي، ويكون مشوشا للكثيرين في شبه تعثر تحركاتهم العملية التطويرية إذا أُتُّخِذ جانب النيل من الآمال بسبب طغيان النفايات النفسية التي تزيح وتطمر الضمير ووعيه.

لنتخيل ما هو الفرق بين التدوير وإعادة التدوير قبل البدء في الفرز والتفكير؟؛ ونضع أرضية نتحرك من خلالها لمحاولة «تجديد شعارات التدوير» للفهم والتطوير والتفريق بين النماذج المتعددة لكليهما بمعية الذكاء الاستراتيجي، والبدء بالنموذج الأول في مقترح الدوران عكس عقارب الساعة في التدوير وربطه بالنفايات المادية بغض النظر عن الشعار العالمي للتدوير الذي يدور مع العقارب من مبدأ التجرد والبدء من الصفر -إن صح التعبير-، وندفع بالنموذج الثاني في الدوران مع عقارب الساعة الذي يذهب ويعود إلى النقطة التي بدأ منها والمرتبط بالنفايات النفسية، يليه الثالث في الدوران مع العقارب ومن ثم الرجوع لعكس العقارب، والرابع في الدوران عكس العقارب ومن ثم الرجوع مع العقارب، والذين سنبحث عنهما لاحقا وفي أي ارتباط لكل منهما مع النفايات المادية أو النفسية.

فالجانب المشرق لإعادة التدوير في النفايات المادية التي يخلفها الإنسان بذاته أو بمساعدته في الصناعة والطب مثلا؛ يكمن في الحفاظ على الصحة والنقاء البيئي وإنتاج الطاقة أيضا وإعادة تصنيع ما يمكن تحويله لتقليل الهدر والكفاءة في الاستهلاك، وهو ما يمكن تنظيره بالدوران عكس العقارب في محاولة فهم جذور المشكلة في خروج الكم الهائل من النفايات واختلاطها ببعض لأجل الفرز الأولي بمفهوم «الإعادة» أو الرجوع للخلف من قبل الإنسان قبل التدوير المستجد، والسبب يكمن في تقليل الهدر بشتى أنماطه وتخفيف المخاطر المترتبة من الفرز العشوائي بسبب الخلط الفوضوي الذي يحدث حاليا.

أما النموذج الثالث فيفترض أن يكون هو المحصلة النهائية لإعادة التدوير بعد البدء في الأول إذا أردنا أن نمثل الحقيقة اللغوية والعلمية أيضا في معنى «الإعادة» للتدوير، بحيث يخرج شعار جديد لإعادة التدوير في رسم أسهم داخلية عكس العقارب محاطة بأسهم مع العقارب الحالية، فالشعار العالمي في نظري هو التدوير وليس الإعادة، لأن النفايات تحتاج أولا إعادة فرز ومن ثم تدوير ومنه التصنيع والطمر المخصص لإنتاج الطاقة والأسمدة، أي أن الشعار النهائي للمنتجات المعادة تدويرها يحتاج لهجين دوران ليعطي مصداقية للعمل الكبير الذي تقوم به الهيئات والشركات المعنية بإعادة التدوير للنفايات.

والآلة والذكاء الاصطناعي لهما دور كبير في عملية الفرز في «الإعادة» موضع نقاشنا في النموذج الأول لهدف تقليل المخاطر المترتبة على الإنسان المحيط بالفرز، وإن يبدو لا يزال الخطر قائما وقد يزول تدريجيا مع التعمق في أبحاث الفرز العلمية والذكاء الاصطناعي، ونستشهد بما تم في بحث علمي جديد خرج بداية هذا العام 2022 في شهر يناير، من استخدام لكاميرا ذكية فائقة الطيف مع التعلم الآلي لتحليل وتصنيف نوع البلاستيك مباشرة عندما يتم نقله على السير الناقل، ويمكن لاحقا فصل البلاستيك إلى أنواع مختلفة تقدر بـ 12 نوعا التي تم الاختبار عليها، في إشارة بهذا الاختراق الابتكاري الذي سيكون له تأثير كبير على فصل جميع أنواع البلاستيك للتدوير كما ينقل الأستاذ المشارك موجينز هينج، الذي يرأس المشروع في جامعة آرهوس في الدانمارك.

وهناك أبحاث متعددة ومهمة في صناعة التدوير من النفايات المتعددة التي من المهم أن تستوعبها وتستثمر فيها الشركات والهيئات ذات الصلة ضمن برامجها التطويرية، وأجزم أن الشركة السعودية الاستثمارية لإعادة التدوير «سرك» بمقوماتها واستراتيجيتها ليست ببعيدة عن التطوير المستمر الذي يشهده العالم في التدوير في رؤيتها المبنية على رؤية 2030.

ونختم تحليلنا بالنفايات النفسية والتي قد تتأثر وتزداد سلبية مع النموذج الثاني في الدوران مع العقارب دون النظر للنموذج الرابع الهجين في الدوران مع العقارب وعكس العقارب، والسبب يكمن في استخدام الدوران مع العقارب بدون ذكاء استراتيجي نقي في احتمالية سيطرة المصلحة الخاصة على مصلحة المنظمة، فالجميل في الذكاء الاستراتيجي النقي أن يحدث الدوران ويعود الدوران في النموذج الرابع ولو لم تكتمل الدورة في العمليتين حتى لا تضعف المنظمة، أي بمعنى الدوران المتقطع المتداخل للفحص والمراقبة للتصحيح، وقد يتم إعطاؤه شعار مستحدث كما أعطينا النفايات المادية، ويتم رسمه تحت شعار الابتكار المؤسسي مع شعارات الجودة التي تصنفها الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة.

فالنفايات النفسية قد تدفع بالنفايات المادية نحو الهاوية، كونهما مرتبطان تحت مفهوم التناسب الطردي في ضمور الإبداع والابتكار إذا اختطفت البيئة العملية الناضجة العادلة، وتضعضعت مقومات جودة الحياة بكل ما تعنيها الحياة من رغد في العيش وطمأنينة ممتدة.

@zuhairaltaha