فيصل الشمري

ما بين ميونخ وفيينا

الأربعاء - 12 يناير 2022

Wed - 12 Jan 2022

هنالك مقولة أن الشر يعيش في الظلام، لا أعتقد أن هذه المقولة صحيحة لأن الشر هو في الواقع ظاهر وواضح جدا وساطع، ساطع بشكل مؤلم لدرجة أن الناس يتجنبون النظر إليه.

لماذا؟ لأنه بمجرد أن يعترف الناس بوجود الشر، فإنهم يعرفون أنه يتعين عليهم مواجهته، ويفضل معظم الناس عدم مواجهة الشر. وهذا ما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية ومقتل أكثر من سبعين مليون شخص. أنكر الكثير في الغرب شر وظلام النازية، لقد نظروا في الاتجاه الآخر عندما كان من الممكن إيقاف هذا الشر، ثم تعايشوا مع ذلك الشر لأنه أصبح قويا.

في عام 1938 العام الذي أكدت فيه الدول الغربية الديمقراطية للدولة الشريرة الشمولية ألمانيا النازية، أنها لن تفعل شيئا لمنع توسعها. في ذلك العام ذهب رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين إلى ميونخ للتفاوض مع أدولف هتلر. لقد صدق وعود هتلر بالسلام مقابل السماح لألمانيا بضم أجزاء كبيرة من تشيكوسلوفاكيا تجنبا من مواجهة شر النازية، عند عودته إلى إنجلترا لوح تشامبرلين بأوراق المعاهدة معلنا أنه تم توقيع الاتفاق قائلا إن التسوية الخاصة بالمشكلة التشيكية التي أنجزت الآن -حسب وجهة نظري- هي مقدمة فقط لتسوية أكبر سيعم بموجبها السلام في عموم أوروبا.

اتفاقية عام 2015 بين أمريكا وأوروبا وروسيا والصين وإيران مشابهة جدا لاتفاق ميونخ عام 1938. كان النظام النازي دولة بوليسية، النظام في إيران دولة بوليسية، كان الهدف الأكبر للنازيين في البداية السيطرة على محيطهم الجغرافي، هدف إيران الأكبر هو التوسع في الأقطار العربية، ألمانيا النازية كانت فكريا مناهضة لطريقة حكم الدول الغربية الديمقراطية، الجمهورية الإيرانية تناهض الطريقة الغربية الديمقراطية، سعت ألمانيا للهيمنة على أوروبا، تسعى إيران للسيطرة على الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ومثلما استرضت بريطانيا وفرنسا ألمانيا النازية، اختارت نفس الدولتين مع الولايات المتحدة استرضاء إيران.

مقارنة باتفاقية ميونخ قبل عام 1938، لم يكن هتلر قد أعلن عن هدفه في القضاء على السيطرة على أوروبا أو إبادة اليهود والأقليات الأخرى، في المقابل منذ عام 1979 والنظام في إيران يدعم الإرهاب والحركات الأصولية حول العالم. لم تكن هناك مظاهرات ضخمة «الموت لأمريكا» في ألمانيا كما هو الحال بانتظام في إيران، في عام 1938 لم تكن ألمانيا مسؤولة عن الإرهاب في جميع أنحاء العالم مثل إيران الآن، ولم تكن ألمانيا مسؤولة عن مقتل أكثر من ألف أمريكي مثل إيران في العراق وأفغانستان ولبنان غير عشرات الآلاف من العرب.

دافع نيفيل تشامبرلينز عن اتفاق ميونخ على أساسين: أن البديل الوحيد هو الحرب وأن الاتفاق سوف يعيد ألمانيا النازية إلى المجتمع الدولي. أنصار الاتفاق النووي يستخدمون نفس المنطق الاتفاق بديل عن الحرب وسوف يمنع إيران من الحصول على السلاح وأن هذا الاتفاق لديه القدرة على ضم إيران إلى المجتمع الدولي.

حجة عدم الاتفاق النووي سوف يؤدي إلى تملك إيران للسلاح باطلة لثلاثة أسباب:

أولا: كان البديل عن هذا الاتفاق استمرار وتشديد العقوبات التي تضعف النظام الإيراني وتقلص بشكل كبير من قدرته على تمويل الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم.

ثانيا: نظرا لأن الاتفاقية تقوي إيران؛ فإنها تجعل الحرب أكثر احتمالا عندما تزداد الأنظمة الشريرة والتوسعية ثراء، فإنها لا تنفق ثروتها على بناء مستشفيات جديدة أو بنية تحتية جيدة في بلادهم أو على شعبهم بل يتوسعون ويحاولون التأثير على الدول المحيطة.

ثالثا: كانت إيران في حالة حرب مع أمريكا منذ عقود.

ومن يعتقد أن الاتفاقية ستدخِل إيران إلى «المجتمع الدولي» فهذه الشخصية لا تفهم طبيعة النظام في طهران.

يتألف النظام الإيراني من متعصبين دينيين لا يمكن تمييزهم أخلاقيا عن داعش والقاعدة وبوكوحرام وجميع حركات القتل الجماعي الأصولية الأخرى.

لقد أعدم النظام الإيراني أشخاصا أكثر من أي دولة أخرى باستثناء الصين، وأعدم أكثر من 200 ألف إيراني في محاكمات التفتيش بعد وصول خميني للحكم لمجرد كونهم يؤمنون بأفكار أخرى. لا يُسمح للمرأة في إيران بمغادرة البلاد دون إذن زوجها.

إيران هي بالفعل أكبر ممول في العالم للمنظمات الإرهابية. تخيل ماذا ستفعل بهذه الأموال في حال رفعت العقوبات، تخيل ماذا ستفعل بإزالة الحظر الحالي على الأسلحة والصواريخ، تخيل ما ستفعله ببنيتها التحتية النووية، هذا الاتفاق سوف يدعم الثلاثة.

mr_alshammeri@