ياسر عمر سندي

جريمة الأكل العمد

الأربعاء - 12 يناير 2022

Wed - 12 Jan 2022

«يا نفيسه الإنسان ياكل عشان يعيش مش يعيش عشان ياكل»؛ أعمق جملة لأقوى مشهد كوميدي من مسرحية «المتزوجون» والتي رسخت في أذهاننا لأكثر من أربعين عاما مضت؛ ذلك الحوار المتشنج الذي دار بين الفنان جورج سيدهم والفنانة راوية سعيد عندما ضاق ذرعا من سلوكها بحشو البيض في فمه؛ هذا السجال دلالة على الكوميديا السوداء والتي تعكس حالنا في التعامل مع جريمة الأكل.

تتبنى المجتمعات العربية منذ الأزل فكرة اكتمال الصحة بكثرة الأكل؛ الأمر الذي أعطى الحق للأعراف العامة برسم الصورة الذهنية الزائفة بمخيلة المرأة لاستجلاب محبة الرجل بإنشاء خط سريع من معدته إلى قلبه من منطلق المثل الشعبي الرائج «أسهل طريق إلى قلب الرجل معدته» وما كان متعارفا عليه لدى الرجال من علامات جمال المرأة أن تكون بدينة وممتلئة وهي المرغوبة وذات الحظوة وعلى العكس من ذلك بأن المرأة النحيلة أو المعتدلة يعتريها الهُزال والضعف ولن تستطيع القيام بمتطلبات الحياة الزوجية.

الإعلام في مجمله وبطريقة غير مباشرة يبث تلك الفكرة ويثبت الصورة؛ من خلال الإعلانات التجارية لبعض المنتجات الغذائية والمأكولات السريعة باستقطاب واختيار البدناء ومن لديهم زيادة في الوزن بلعب الدور التمثيلي لفتح شهية المستهلكين.

وسائل التواصل الاجتماعي أيضا ترفع من قيمة المشاهدات لبعض المشاهير المصابون بسُعار الأكل بالتنقل بين المطاعم لتوثيق التجربة والدعاية للمأكولات الدسمة وكل ما هو غث وسمين.

الأفلام والمسلسلات تسعى كذلك لتعزيز الفكاهة في نفوس المشاهدين بأن الفنانين زائدي الوزن يمتلكون حس الدعابة وخفة الظل بطريقة الأكل النهمة والأسلوب المضحك.

للأسف هنالك البعض من المستشارين النفسيين والاجتماعيين يلمحون للمسترشدين ممن يعانون من السمنة المفرطة ولديهم ارتفاع ملحوظ بمؤشر كتلة الجسم «BMI» Body Mass Indicator بسبب كثرة الأكل على تقبل وضعهم وحالة أجسادهم بعبارات إسقاطية مثل يجب أن تحب نفسك وذاتك ولا تلتفت لكلام الآخرين ولا يهمك أحد من مبدأ غرس الثقة الواهمة.

ما دعاني لكتابة هذا المقال أمران؛ الأول أنني شاهدت من لديه استعداد تام لافتعال المشاكل من أجل الأكل؛ بسبب أنهم لم يجدوا ما يروق لهم من نوعية وكمية معينة؛ وهنالك من يخالجه البكاء وتنتابه حالة من الصراخ الهيستيري بسبب وجبة؛ الأمر الثاني ارتفاع نسبة السمنة بين الجنسين بسبب الشراهة في الأكل.

من وجهة نظري النفسية والمعرفية أرى أن زيادة الأكل وحساسية الأمر تجاهه ربما هي مؤشر لمداراة وإفاء جوانب نفسية عميقة من مبدأ آليات الدفاع النفسي التي يلجأ إليها البعض لتهدئة ومنع اضطرابات معينة تلازمهم؛ والأسوأ من ذلك كله أن يتم ربط فكرة كثرة الأكل بالوصول إلى نشوة السعادة وتحقيق الفرح.

قال عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف: «ما ملأ آدمي وعاء شرّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه». واللقيمات القليل والمحدود؛ وهي كفيلة بأن تقوي الإنسان ليشتد عوده وما زاد عن ذلك يفيض بطريقة عكسية ويخزن سلبيا؛ ناهيك عن ترك الحركة والرياضة الأمر الذي يصيب الإنسان بالكسل والخمول والتبلد ويؤدي للسمنة المفرطة والأمراض العصرية مثل ارتفاع الكولويسترول وضغط الدم والسكري التي تؤدي إلى انسداد الشرايين والجلطات واللجوء إلى عمليات القلب المفتوح لا سمح الله.

الجريمة التي لا يعاقب عليها القانون أن يقتل الإنسان نفسه بسبب أكله مع سبق الإصرار والترصد. قال تعالى «بل الإنسان على نفسه بصيرة» 14 سورة القيامة.

@Yos123Omar