أحمد الهلالي

أخي المواطن الرمادي: الوطن أولا!

الثلاثاء - 11 يناير 2022

Tue - 11 Jan 2022

عبارة «أنا ما أتدخل في السياسة» هي الدرع الذي يتوارى خلفه الرماديون، ولا بأس في رفع هذه العبارة حين تكون القضايا لا تتجاوز المواقف السياسية فعلا، لكن المعضلة الكبرى حين تسمع هذه العبارة، وتراها متجسدة في مواقف بعض المواطنين، والشأن قد تجاوز السياسة بأشواط بعيدة وأصبح حربا حقيقية تهدد وجودنا وأمن بلادنا.

يقود النظام الإيراني منذ الثمانينيات هجوما قاسيا شرسا ضد بلادنا، منذ أحداث الحج في تلك الحقبة، ونشر الرعب بين حجاج بيت الله الحرام، معلنا أن هدفه (أمن مكة المكرمة)، ونفذ أقساها (بأيدي مواطنين خليجيين) عام 1989م، وظلت مكة وتبقى (هدفا) للمشروع الفارسي، حوّل أنصاره عن حجها إلى وجهات أخرى، واتخذها قبلة لمخططاته العدوانية، وجند لهذه الغاية كل ما يملك، وضحى بشعبه في سبيلها، وتغوّل وتوحش في سبيل هذه الغاية حتى دمّر أربع دول عربية، والهدف الرئيس (مكة)، فها هي صواريخ الحوثي الإيرانية تنطلق صوب الكعبة المشرفة، في تأكيد على عزم الفرس على تحقيق خرافاتهم الآثمة، وهيهات أن يبلغوا ذلك.

هذا الملخص المقتضب جدا يبين لنا حالة الحرب التي نحن فيها منذ قيام الخمينية، وثمة من يحاول إلباسها رداء الطائفية والصراع المذهبي، وآخرون يحاولون صبغها بالصبغة السياسية، لكنها ليست كذلك، بل هي حرب وجودية، والطائفية والسياسة مجرد أدوات فيها، ولن يوقف عجلتها إلا الحسم العسكري، وها قد فرضت الحرب علينا، واخترناها مرغمين، بعد أن أمعن الفرس في مد طوقهم شمال الجزيرة العربية من أجل مكة، وربما يتذكر القراء تحذير ملك الأردن من الهلال الشيعي منذ 2004م، فماذا في أيدينا غير مواجهة هذا الخطر بعد أن أصبحت إيران في (صعدة) على حدودنا الجنوبية!

يتدرع الرماديون مكشوفين بعبارة (ما نتدخل في السياسة)، فأي سياسة يقصدون والوطن تعرض لأكثر من 430 صاروخا باليستيا، و851 طائرة مسيرة، وتجاوزت وفيات المواطنين أكثر من 60 شهيدا (مدنيا)، واستشهد من أبنائنا البواسل في الحرب مئات الشهداء، وضرب الأعداء مصادر رزقنا الأساسية (أرامكو وبقيق وغيرها)، ومؤسساتنا المدنية، فهل هذه تراشقات سياسية؟ أم شؤون لا تتعلق إلا بفئة معينة من المواطنين، وكأن العدو طمأن بعض الفئات؟!

سؤال: ما بال أقوام ....؟ الذي يرن بقسوة في جمجمتي، حين أمر بحسابات ومقالات الرماديين الذين يغردون في أسراب بعيدة عما يتعرض له الوطن من هجومات عدوانية خطرة، ينظّرون ويتفلسون في كل قضايا الكون إلا (الوطن)، وإن كنا قد عتبنا على بعض شرفاء العرب، وعبنا عليهم صمتهم، فماذا سنسمي مواطنينا الصامتين؟ ألا يشعرون بالعار حين يرتدون عباءات (الحياد المريب)، ويصمتون وإخوانهم في الوطن يضحون بأرواحهم وأجسادهم ودمائهم دفاعا عنه وعنهم؟ ألا يشعرون بالخزي والوطن في حساباتهم مجرد مكان للإقامة الآمنة، والدخل الوفير، والعيش الرغيد؟ فأي حياد هذا؟ ومتى سيكون الوطن أولا؟

يقول الطغرائي:

حبُّ السلامةِ يُثْني همَّ صاحِبه/ عن المَعالي ويُغرِي المَرءَ بالكَسلِ

فإن جنحتَ إليه فاتَّخِذْ نَفَقاً/ في الأرضِ أو سلَّماً في الجوِّ فاعتزلِ

هؤلاء المحايدون المريبون يؤثرون (السلامة) ويخشون طرفا آخر، فبماذا يرهبهم هذا الطرف حتى أحالهم (صفرا) على هامش الوطن، وهم رقم صعب في مجالات أخرى، وبماذا يبتزهم العدو؟ أم بماذا يغريهم؟ ولسان حالهم (لا نستطيع أن نكون معكم، لكننا سنصمت!) فكتّاب مبرزون من الرماديين في صحف عالمية لم أجد لهم حرفا يدافع عن الوطن، وأدباء ومثقفون كبار كأنهم ينتمون إلى (زحل) ولمّا يسمعوا بهذا الوطن بعد، ولا بحروبه ولا بقضاياه!

أخي في الوطن، ابتغ الحياد سبيلا في كل قضاياك ولك حرية إلغاء ذاتك في كل شؤونك إلا في الوطن، فالوطن شأن مقدس لا يقبل الحياد ولا المواقف الرمادية في حالة السلم، فما بالك في حالات الحرب وتهديد الوجود، وإن كان الوطن يحتاج إلى كل أسلحته، فاحمل سلاحك الذي تتفوق به، وابرز إلى المقدمة وقارع بسنانك (قلمك ولسانك) وأقض مضاجع الأعداء بمواقفك كما يفعل شرفاء الوطن، واتعظ بالصارخين في شوارع بغداد ولبنان واليمن وسوريا، فلم تغن عنهم رماديتهم، ولا صمتهم السابق شيئا حين أصبحوا عبيدا تحت أقدام الفرس المحتلين!

ahmad_helali@