حمد القحطاني

أخلاق الشعراء الجاهليين

الاثنين - 10 يناير 2022

Mon - 10 Jan 2022

الأخلاق من أهم سمات الإنسان، فبها يتحدد وعن طريقها يتميز عن سائر المخلوقات، والأخلاق غير مرتبطة بزمان ولا بمكان، وغير منحصرة على مجتمع دون سواه.

بالرغم من انتشار العادات الجاهلية في البيئة العربية، كالعصبية القبلية والحروب بين القبائل والثأر ووأد البنات والمجون وشرب الخمر والسلب والنهب، إلا أنه كان للعرب أخلاقٌ والتزامٌ بعادات وخصائص، ميَّزت هذه البيئة عن غيرها من البيئات، وتأصّلت هذه السجايا في نفوس العرب فأضحت ثقافةً لا يستطيعون عنها حِولًا.

لقد ترك العرب آثارا شعرية اشتملت على وصايا وحكم، جمعتها كلمة (مروءة) وهي تعني جميع الصفات الحسنة كالحلم والصبر والعفو عند المقدرة وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف ونصرة الجار وحماية الضعيف.

فمن هذه الصفات المتأصلة لدى العرب، والتي توارثوها ونشؤوا عليها:

ففي حفظ حق الجيرة وغض الطرف عن الجارة يقول عنترة بن شداد:

وأَغُضُّ طَرْفِي ما بَدَتْ لي جَارَتِي / حَتَّى يُواري جَارتي مَأْواها

إِنِّي امْرُؤٌ سَمْحُ الخَلِيقَةِ مَاجدٌ / لا أُتْبِعُ النفسَ اللجوجَ هَواهَا

وفي الكرم يقول حاتم الطائي مخاطبا زوجته:

أَيا اِبنَةَ عَبدِاللَهِ وَاِبنَةَ مالِك / وَيا اِبنَةَ ذي البُردَينِ وَالفَرَسِ الوَردِ

إِذا ما صَنَعتِ الزادِ فَاِلتَمِسي لَهُ / أَكيلاً فَإِنّي لَستُ آكِلَهُ وَحدي

أَخاً طارِقاً أَو جارَ بَيتٍ فَإِنَني / أَخافُ مَذَمّاتِ الأَحاديثِ مِن بَعدي

ويقول عدي بن زيد في الوفاء مع الأصدقاء وإن خانوا:

وما بدأتُ خليلا لي أخا ثقة / بريبة ولا ربّ الحل والحرم

يأبى لي الله خون الأصفياء وإن / خانوا وداري لأني حاجزي كرمي

ويقول عبيد الأبرص في بر والديه:

لعًمرُك إنني لَأعِفُّ نفسي / وأستر بالتكرُّم من خصاصِ

وأُكرِمُ والدي وأصون عِرْضي / وأكرهُ أن أُعدَّ من الحراصِ

هذا غيض من فيض مما يدل على تأصُّل الأخلاق الكريمة في الشعر الجاهلي، وأنها كانت سجية قد جُبل عليها الشعراء والعرب، وتأصَّلت في نفوسهم، فلقد كانت هذه الخصال متأصلة وراسخة قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام أقرها ورسخها، وأكسبها النموذجية والكمال.