فهد عبدالله

(ولا يزالون مختلفين)

الجمعة - 07 يناير 2022

Fri - 07 Jan 2022

دعني أطرح عليك بعض التأملات التي قد تنتابنا جميعا بين الحين والآخر والتي كانت قد تكون مثار تعجب واستغراب وحيرة ومع الزمن قد تصبح موطنا للتلذذ لتراكم التجارب حولها وتغير التصورات في فهم طبيعتها، وهي عندما يستقر بداخلك الصحة لفكرة أو رأي ما وبعد فترة من الزمن مثلا ولمدخلات متعددة أيا كانت وجدت نفسك تؤمن بالنقيض، ولربما لفترة زمنية أخرى قد تنتقل تلك القناعات لميلاد فكرة جديدة أو رأي مختلف، بالتأكيد لو استحضرت شيئا من الذكريات في الشريط الزمني الخاص بك قد تقف على شيء من هذه التحولات والتقلبات.

أعتقد أنه عندما يأخذ التأمل وبشكل متكرر مجراه في دواخلك لهذا السنة الطبيعية التي أوجدها الله في الكون والإنسان ستخلف وراءها العشرات من الدروس والعبر وخلاصات الحكمة التي بالتأكيد ستجعل من النسخة الإنسانية التي تحتويك في أفضل صورة لها في هذا الكون لكونها في حالة استعداد دائم في النظر والعمل بالقوانين أو الاعتبارات التي أودعها الخالق في هذا الكون بمجرد معرفتها وإدراكها، سأذكر بعض الخلاصات والمخرجات لهذه التأملات:

1. إن الإنسان قد كرمه الله على سائر المخلوقات بهذا العقل الذي هو موطن التكليف وجعل هذا التكريم أيضا موضع مسؤولية بأن يكون في حالة تفعيل شبه دائم من حيث تقليب النظر والتأمل ومعرفة ماهية الأمور وكيف ابتدأت وإلى أين تتجه فضلا عن البحث الذاتي للإجابة بعيدا عن تلك الإجابات الموجودة والمعلبة وليس الدعوة هنا للاستنكاف عن الإجابات القديمة الموجودة وإنما دعوة لمزيد من الأنوار تجاه مخرجات معارفنا القديمة وتحريكا للفكر تجاه نتائج جديدة تتوافق مع هذا التكريم الإلهي لهذا الإنسان.

2. هذه التقلبات في الآراء والقناعات التي قد تحدث لدينا ما هي الا تأكيد لسنة الله في كونه وخلقه من حيث أن التغيير هو الثابت الوحيد في الكون وتستقيم به جميع الشواهد والأدلة وما اجتمع عليه عقلاء البشر، المهم هنا أن تكون السياقات إلى الرأي والقناعة الجديدة لها شمول ومتانة وصلابة في مقدماتها أكثر من سابقتها، ولا تثريب على النفس أو على الآخرين عندما تقف أو يقفون على مكان له ارتباط بالإحداثيات الصحيحة كما نعتقد.

3. عندما تتأمل القانون الذي أودعه الله في الخلق كما في قوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ، ولا يزالون مختلفين) وتردفها بالتأملات التاريخية في حال البشر منذ آلاف السنين من حيث الاجتماع والاختلاف ستدرك حينها ثلاثة محاور مهمة الأول بأن حال البشر الدائم هو الترددية في الاختلاف والاجتماع مما يجعل حالة استعداد التفهم حاضرة في جميع الأحوال، والأمر الثاني أنه مهما كانت درجة وضوح الحقائق والأشياء لديك وكأنها الشمس في رابعة النهار لا تعني أبدا بأن يتردد في داخلك ذلك القلق المعرفي حول سؤال لماذا الآخرون لا يرون تلك الشمس الشارقة، والأمر الثالث أنني من جملة الناس الذي قد ينالني شيء من هذا الاختلاف حينها سأنظر بعين فاحصة لما لدي ولما لدى الآخرين من أجل ما تحدثنا عنه أعلاه في شمول وصلابة ومتانة المقدمات والمعطيات.

4. إن الاختلاف في مستوى متقدم من النظر ليس مجرد وصف لطبيعة البشر بل هو حاجة أساسية تتحرك به تروس الحياة، فمثلا الإيجابيات والسلبيات لن تظهر في حالة التطابق والتشابه وبضدها تتباين الأشياء، بل حتى التقدم والتطور وعمارة الأرض عندما يكون التشابه حاضرا سيشل حركة التقدم والتسارع فيها، فكيف يمكن معرفة أبعاد الطرق المختلفة ونحن نقف جميعا في مكان واحد.

5. نعلم يقينا بأنه مهما أوتينا من العلم والتراكمات المعرفية فهي لا تمثل شيئا إن صحت العبارة فيما يقابلها من العلوم والمعارف الموجودة السابقة واللاحقة فضلا عن الاطراد المعرفي الذي يتضاعف بشكل دوري ومتسارع في كافة العلوم وهذا الأمر بالتأكيد سيزيد من اتساع مساحات الاختلاف وتقلبات الرأي والنظر مما يحتم مسألة التقبل والتواضع ونبذ العصامية وبعث روح التكامل في صياغة الأعمال فضلا عن بذل جهود متراكمة في تلك المهمة الصعبة من حيث تحري الحكمة والصوابية.

@fahdabdullahz