عبدالله محمد الشهراني

البداية في لوس أنجلوس

الأربعاء - 05 يناير 2022

Wed - 05 Jan 2022

هذا المقال هو الجزء الثاني من رواية مستوحاة من قصة حقيقية بعنوان «من مكة إلى كنتاكي».

أنهى الوالد جميع متطلبات السفر والابتعاث، وأصبح أسعد وابن عمته خالد وزملاؤهم مستعدين للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

عاش الجميع أسبوعا حزينا وهم يودعون عائلاتهم وأقاربهم وأصدقاءهم. كانوا شبابا صغارا لا تتجاوز أعمارهم التاسعة عشرة، البعض منهم تعتبر جدة والمدينة والطائف أبعد الأماكن التي وصل إليها في حياته، هؤلاء الشباب سوف يتعرفون على ثقافة جديدة وحياة مختلفة تماما، وقد استطاعت الجهة المسؤولة عن ابتعاثهم تأهيلهم بشكل ممتاز، لكن تظل الحقيقة أكبر من المحاكاة.

وصلت المجموعة التي كانت تضم أسعد وخالد وزملاءهم والذين كان عددهم اثني عشر مبتعثا إلى نيويورك، وكان في استقبالهم إبراهيم أحد موظفي مكتب التدريب والابتعاث في أمريكا، والذي رافقهم من نيويورك إلى لوس أنجلوس، والمسؤول عنهم طيلة فترة البعثة.

استقر الجميع في سكن موقت، وتعرفوا على موقع المعهد الذي سوف يدرسون فيه اللغة الإنجليزية، والجامعة التي سوف يلتحقون بها بعد إنهاء مرحلة اللغة. أثناء الأسابيع الأولى، اتفق كل أربعة زملاء على السكن مع بعضهم بعضا، وقرر أسعد وخالد وعادل وعبدالرحمن استئجار شقة مكونة من حجرتين وصالة ومطبخ ودورة مياه. لم تكن الشقة بالقريبة ولا بالبعيدة عن المعهد والجامعة، لكنها -ورغم كلفة الإيجار المرتفع نوعا ما- تقع في حي متكامل يحتوي على ملاعب رياضية وأسواق ومطاعم وأندية ليلية. اختار أسعد أن يكون مع خالد في غرفة وعادل وعبدالرحمن في الغرفة المجاورة.

بدأت الدراسة أخيرا، بعد مرحلة صعبة تعد أمرا طبيعيا لا بد أن يمر به كل مبتعث، وهو الشعور بالبعد عن الوطن والأهل Homesick. لكن المجموعة استطاعت تجاوز كل ذلك، وانتظم الجميع في فصولهم منفصلين عن بعضهم بعضا، حيث لم يكن نظام المعهد يسمح بالتحدث بغير اللغة الإنجليزية في أروقته، ولا بأن يجتمع جميع المبتعثين في فصل دراسي واحد.

لكن كان ملعب الحي يجمعهم عصرا، أما المساء فيمضي بين دوري للبلوت أو سهرة في (الديسكو) الذي يبعد عن السكن قرابة نصف ساعة مشيا على الأقدام، وكان الديسكو هو المكان الذي يطرد منه بين وقت وآخر خالد، والذي بقيت بينه وبين العمر المسموح عنده بالدخول بشكل نظامي إلى (الديسكو) أربعة أشهر.

كان مسؤول الأمن يطلب من الجميع ما يثبت وصولهم للسن المسموح به، وأحيانا أخرى يسمح لهم بالدخول دون تدقيق. كان الاتفاق والمعاهدة بينهم في ليالي الديسكو (لا شراب ولا لحم خنزير)، والحد الزمني الأقصى للسهر في صالة الشقة في ليالي تحدي البلوت هو الواحدة صباحا، والغرف مخصصة فقط للنوم والدراسة، ووقت الاختبارات تتحول الشقة إلى معسكر، يمنع الخروج منه، لا ملعب ولا ديسكو ولا سهرة بلوت.

انقضت السنة الأولى بنجاح الجميع، واعتاد الشباب مدينة لوس أنجلوس، فأصبح لهم جيران وأصدقاء وصديقات. وقبل الالتحاق بالجامعة عاد المبتعثون إلى الوطن ليقضوا إجازة الصيف بين عائلاتهم، ويحضروا زواج صديقهم عبدالرحمن، ولكي تتبدد أحلام «كوابيس» أم أسعد برؤيته وهو في أحضانها، حيث كان ما تراه في المنام يوحي لها بأنها لن تراه مجددا.

لقد كان مبتعثو السبيعنات والثمانينات رغم عدم اطلاعهم أو اتصالهم بالخارج جيلا مسؤولا، والدليل مستوى تحصيلهم الدراسي، وعدد القضايا والأحداث في تلك الفترة..

القائل/ موظف سابق في أحد مراكز التدريب والابتعاث.

مقال الأسبوع القادم.. حوارات بين الملعب والديسكو.

ALSHAHRANI_1400@