عبدالله قاسم العنزي

ضمانات المتهم أثناء التفتيش

الأحد - 02 يناير 2022

Sun - 02 Jan 2022

إن حفظ كرامة الإنسان ورعاية حقوقه من أهم متطلبات الاستقرار الاجتماعي، ومن أبرز الحقوق التي تحدث عن حمايتها الفقهاء هي حماية خصوصية الإنسان الشخصية وممتلكاته ومسكنه من المساس بها، ولأهمية هذا الأمر نصت كافة التشريعات على صيانة هذا الحق، وقد جاء في المادة الـ41 من نظام الإجراءات الجزائية أن: «للأشخاص ومساكنهم ومكاتبهم ومراكبهم حرمة تجب صيانتها، وحرمة الشخص تحمي جسده وملابسه وماله وما معه من أمتعة، وتشمل حرمة المسكن كل مكان مسوّر أو محاط بأي حاجز، أو مُعدّ لاستعماله مأوى».

وبناءً على ما سبق يعد التفتيش أخطر إجراء تتخذه السلطات المعنية؛ لأنه استثناء من القاعدة التي تقضي بعدم المساس بحريات الناس الشخصية وحرمة ممتلكاتهم ومساكنهم، ولا يجوز إلا لضرورة الوصول إلى وجه الحق وعلى ذلك فإنه يقدر بقدره ولا يتعدى نطاق الغرض الذي أجيز لأجله.

إن الفقهاء يعرفون التفتيش بأنه إجراء من إجراءات التحقيق يهدف إلى التوصل إلى أدلة جريمة ارتكبت فعلا، وقد أدرك المنظم السعودي هذه الحقيقة مما حدا به إلى توفير ضمانات للمتهم عند تقدير إجراء التفتيش نذكرها على النحو التالي:

أولا: لا يجوز التفتيش ما لم تكن هناك جريمة قد وقعت فعلا، بمعنى لا بد من وقوع فعل يعد في نظر النظام جريمة، وهذا أمر يقضي به المنطق بسبب كون التفتيش هو من إجراءات التحقيق، ومن غير الممكن القيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق قبل وقوع الجريمة، ولهذا لا يجوز الأمر بالتفتيش بالنسبة للجريمة التي سوف تقع مستقبلا، وقد نصت المادة الـ28 من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية على أنه: «لا يكون التفتيش صحيحا إلا إذا كان بصدد جريمة قـد وقعت فعلا بدلائل وأمارات كافية».

ثانيا: يجب أن يكون التفتيش صادرا بأمر من النيابة العامة، ويكون كتابيا ومسببا، وهذا ما نصت عليه المادة الـ42 من نظام الإجراءات الجزائية باعتبار أنه من إجراءات التحقيق التي لا بد من التثبت في صحته الإجرائية وللتأكد من سلامته وسلامة الآثار المترتبة على إجراء التفتيش.

ثالثا: وجود مصلحة محتملة تفيد في كشف الحقيقة بأن يكون هناك مصلحة من تقدير هذا الإجراء تتمثل في ضبط الأشياء التي تتعلق بالجريمة أو تفيد في كشف الحقيقة سواء كانت تلك الأشياء في حيازة المتهم أو بداخل المكان المراد تفتيشه، ولا يهم ما إذا كانت تلك الأشياء في صالح المتهم أو ضده، وحتى تتحقق المصلحة المرجوة من إجراء التفتيش لا بد من وجود قرائن تشير إلى إمكان ضبط ما يفيد التحقيق لدى الشخص المراد تفتيشه أو بداخل مسكنه، بمعنى أن يكون التفتيش له أسباب ودوافع موضوعية.

رابعا: بما أن التفتيش إجراء يمس الحرية الشخصية فإن هذا المساس سيكون أشد وقعا على الشخص إذا ما تم مباشرة هذا الإجراء في أوقات راحة ذلك الشخص المراد تفتيشه أو تفتيش منزله؛ لذا نصت المادة الـ52 على أنه: «يجب أن يكون التفتيش نهارا من شروق الشمس إلى غروبها في حدود السلطة التي يخولها النظام، ويمكن أن يستمر التفتيش إلى الليل ما دام إجراؤه متصلا ولا يجوز دخول المساكن ليلا إلا في حال التلبس بالجريمة».

خامسا: لا يجوز تسور البيوت المأهولة تحت ذريعة الإذن بالتفتيش، إنما حدد النظام آلية تفتيش المنازل ما لم يكن هناك ضرورة طارئة، وهذا ما نصت عليه المادة الـ29 من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية بأن على منفذ أمر التفتيش قبل دخول المسكن أن يُعلم صاحب المسكن -أو من ينوب عنه- عن شخصيته وقصده، وأن يطلعه على أمر التفتيش، ويجب أن يكون الدخول من الباب ما أمكن ذلك وفق تقدير منفذ الأمر.

سادسا: حضور المتهم بنفسه أو بواسطة من ينوب عنه أثناء التفتيش الذي يقع على مسكنه أمر وجوبي، وهذا ما نصت عليه المادة الـ32 من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية بأنه إن تعذر حضور صاحب المسكن أو من ينيبه أو أحد أفراد أسرته الكامل الأهلية المقيم معه تفتيش المسكن؛ فعلى عمدة الحي ومن في حكمه حضور التفتيش عند طلب المفتِّش ذلك.

وفي الختام: التفتيش بالمعنى القانوني هو عمل من أعمال التحقيق فيه مساس بحرمة الأسرار الخاصة، فإذا ما تم برضاء صاحب الشأن فإنه لا يعد تفتيشا بالمعنى القانوني الدقيق طالما أن هذا الشخص قد رضي من تلقاء نفسه برفع الحصانة عن حقه بالحفاظ على أسراره، ويغدو هذا الإجراء مجرد اطلاع أو معاينة مما لا يستقيم معه بعد ذلك دفع صاحب الشأن بعدم صحته لعدم توفر الضمانات التي أحاطها المنظم بالتفتيش.

expert_55@