زيد الفضيل

سائر المشرق وديمقراطية النبي

السبت - 01 يناير 2022

Sat - 01 Jan 2022

مع حلول ذكرى مولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام سواء كان ذلك في ليلة ونهار الـ25 من شهر ديسمبر بحسب التقويم الغريغوري، أو ليلة ونهار الـ7 من شهر يناير بحسب الكنيسة الشرقية التي تتبع التقويم اليولياني، يبدأ البعض بالتحذير من تهنئة إخواننا المسيحيين، بل ويصل إلى النهي عن مشاركتهم أفراحهم في هذه الذكرى المباركة، وأقول مباركة لأنها تحتفي بذكرى ولادة كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء مصداقا لقوله تعالى في سورة النساء {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه}.

على أن الأمر لدى أولئك لا يتوقف عند ذكرى ميلاد عيسى عليه السلام، بل هو ممتد أيضا إلى ذكرى مولد نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم-، فتراهم يتوقفون عن الاحتفاء به وينهون غيرهم كذلك، إيمانا منهم بأنهم متبعون للنهج النبوي الصحيح. وفي قناعتي فلا ضير فيما يؤمنون به ويدعون إليه، ولا أنكر عليهم حجتهم الشرعية التي ينطلقون منها ويبنون عليها قناعتهم الدينية التي يرجون بها رضاء الله ورضوانه، لكني أرجو منهم أن يتوقفوا عن مصادرة آراء الآخرين وحجتهم الشرعية التي يرجون بها أيضا الوصول إلى رضاء الله ورضوانه، وحين ذلك سنحقق الأمان الفكري الذي طالما دعونا إليه، وتبنى تحقيقه قادتنا منذ عقد من الزمان وأكثر، وصولا إلى هذا العهد الميمون الذي وقع فيه علماء الأمة «وثيقة مكة المكرمة»، تلك التي تؤكد على تعزيز فعل التسامح بين المسلمين أولا، ومع غيرهم من أتباع الديانات والثقافات المختلفة، ولاسيما أهل الكتاب من اليهود والصابئة والنصارى الذين نص الله في محكم كتابه على أفضلية التقارب معهم.

وبالنظر إلى حديثنا عن ذكرى مولد يسوع عليه السلام فأرى أنه من الواجب التذكير بموقف نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- مع أهل الكتاب جملة والنصارى منهم بخاصة، حيث مد يد المحبة والسلام مع اليهود حال هجرته ليثرب وتأسيسه للدولة المسلمة عبر ما قرره في «صحيفة المدينة» الحقوقية التي سبقت وثيقة «الماقنا كارتا» بستة قرون، والتي رسم فيها خارطة العلاقة مع اليهود بعدل وإنصاف، لكنهم أبوا إلا أن يكونوا من المعادين المكذبين له، وعملوا على تصفيته غدرا، والتآمر عليه جهرا وسرا، حتى كانت إرادة الله بإجلاء آخرهم في السنة الخامسة للهجرة بعد فشل تآمرهم على المسلمين في معركة الخندق مع قريش وأحلافها من المشركين.

وكان موقفه مسالما مع أتباع سيدنا عيسى، الذين كانوا أكثر مودة له ولأصحابه بشهادة الله في محكم التنزيل، وبواقع التجربة والممارسة الحياتية ظاهرا وباطنا في حياته، حيث كانوا من المستبشرين بولادته ونبوته، وهو موقف ورقة بن نوفل القرشي الذي كان نصرانيا، وموقف بحيرى الراهب الذي حث أبا طالب على أن يعود بابن أخيه إلى مكة حتى لا يقتله يهود الشام إذا عرفوا أنه النبي المرتقب، ثم هم الذين أووا أصحابه في الحبشة، وحماهم ملكها النجاشي العادل، وهو ما حفظه النبي الكريم له حتى أنه صلى عليه صلاة الغائب، وهم الذين استقبلوا رسله بكل احترام وتقدير، بل إن المقوقس حاكم مصر زاد في إجلاله لنبينا فأهدى له هدايا ثمينة، ومنها جاريتان جميلتان، أهدى رسول الله إحداهما لحسان بن ثابت وقال له: إن لها صوتا نديا؛ وانتخب الأخرى له وهي السيدة مارية القبطية التي أكرمها الله بأن حملت بابنه إبراهيم. مع الإشارة إلى أن السيدة مارية لم تؤمن بنبينا إلا بعد مرور سنة من ارتباطها به، وحين آمنت به لم ينتزع شخصيتها بتغيير اسمها إلى «مريم»، بل ظل اسمها «مارية» في مسيحيتها وإسلامها، وذلك من عظمة الروح النبوية والسلوك المحمدي.

على كل فالشواهد الدالة على عمق المودة بين الإسلام والمسيحية كثيرة، وهو ما أدركه عديد من الباحثين المنصفين من الطرفين، الذين تجاوزوا بوعيهم لعبة السياسة ونزواتها المميتة، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أشيد برأي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق الفقهي، وبحديث الشيخ عون القدومي على اليوتيوب بعنوان «بشارة الميلاد»، وأشيد أيضا بالتوافق بين دار سائر المشرق للطباعة والنشر للكاتب أنطوان سعد، والكاتب الإسلامي محمد حبش الذي ألف كتابه «النبي الديمقراطي» وقامت الدار المسيحية بتبني طباعته ونشره. فشكرا لها، وشكرا لكل من أكد عمق العلاقة الأخوية بين العرب المسلمين وإخوانهم من مسيحيي الشرق العرب، أولئك الذين تشربوا الثقافة الإسلامية، ولم يستنكفوا من تلاوة وحفظ بعض سور القرآن، بل وأثروا الساحة بعديد من الكتب والقصائد المادحة لنبينا عليه الصلاة والسلام، ومن أولئك بولس سلامة وجورج جورداق وسعيد عقل وغيرهم، فطوبى لهم، وسلام على من اكتنز قلبه بالمحبة والوئام.

zash113@