شبح البدانة يهددنا

السبت - 06 أغسطس 2016

Sat - 06 Aug 2016

المبادرات التي قام بها الأطباء الرواد في بلادنا في التنويه عن مخاطر البدانة المتنامية على صحة الإنسان ليست وليدة اللحظة، بل حدثت منذ أعوام عديدة وبكثير من الطرق والوسائل، كانت محاولات واجتهادات شخصية تأتي على هيئة محاضرات في المؤتمرات الطبية السنوية أو مقالات في الصحف المحلية، بالإضافة إلى ظهورهم في البرامج التلفزيونية المتنوعة، تحدثوا عن مخاطر البدانة وتحدياتها وما تشكله من أعباء على القطاعات الصحية بشكل عام.



أدرك هؤلاء الأطباء، وفي وقت مبكر، أهمية هذا الأمر، وأنه ينبغي عليهم إيصال أفكارهم ومبادراتهم إلى التنفيذيين وصناع القرار في وزارة الصحة للقيام بعمل متكامل يقوم بدراسة هذه الظاهرة، ومن ثم رسم خارطة عمل وطني شامل للتصدي لها. ولأن الوزارة، كما جرت العادة، لا تمنح كثيرا من الوقت لأي من وزرائها (العابرين)، فإن العديد من الاتصالات والمراسلات للقيام بعمل ما، كان مصيرها الضياع والنسيان في دهاليز الوزارة العتيقة، ومع كل وزارة جديدة تأتي أسماء أخرى ليست على استعداد لإكمال المشوار من حيث انتهى، ينبغي عليهم في كل مرة تقديم المبادرات والمقترحات مجددا.



في فترة لاحقة وحين أيقن الأطباء عدم جدوى تلك المحاولات، ولكي يعبروا عن بعض الأفكار والأحلام بادروا بتأسيس الجمعية السعودية لطب وجراحات البدانة، واقتصرت جهودها على المشاركة في المؤتمرات الطبية وتنظيمها داخل وخارج المملكة ووضع معايير السلامة لإجراء الجراحات دون أن يكون لها أي سلطة أو قدرة تشريعية أو تنفيذية.



وفي الوقت الذي تنبه العالم لخطر البدانة وما تسببه من أمراض مزمنة مثل أمراض القلب وارتفاع الضغط وداء السكري وأمراض المفاصل والعمود الفقري، بالإضافة إلى بعض أنواع السرطان، ما زلنا نحن في منطقة الخليج العربي غير قادرين على القيام بأي عمل وطني شامل لمحاربة هذا الوباء واتخاذ الخطوات المهمة للوقاية منه.



بل إن التحذيرات أصبحت تأتينا من الخارج، حيث أشارت منظمة الصحة العالمية WHO في أحدث نشراتها أن منطقة الخليج العربي هي أكثر بلدان العالم إصابة وأن الدول الخليجية باستثناء عمان من بين أكثر 10 دول بالعالم إصابة بالبدانة، تأتي الكويت في المرتبة الأولى، حيث إن 42.8 %‏ من السكان يعانون من البدانة، بينما تبلغ النسبة في السعودية 35.2 % وفي دولة قطر 33.1 %



إن هذه الأرقام مفجعة للغاية، والذي يبعث على الانزعاج هو غياب دراسات حقيقية شاملة صادرة عن الوزارة ترصد معدلات الإصابة بالبدانة في المملكة وعن الأمراض المصاحبة لها، ولو أن شيئا من هذا القبيل تم القيام به فإني أكاد أجزم أن 50 %‏ من السكان لديهم صراع مع الوزن يبدأ من زيادة ملحوظة في الوزن لدى الغالبية قد تصل إلى مرحلة البدانة لدى البقية.



لقد انقضت سنوات، سنة تلو أخرى ولم نتوصل بعد لإرادة حازمة للتصدي لهذا الوباء ودراسة كل السبل الممكنة للوقاية منه، خاصة لدى شريحة الأطفال والنساء التي أصبحت واضحة للعيان. صحيح أن جراحات البدانة في السنوات العشر الماضية تطورت بشكل ملحوظ وتم إنشاء العديد من هذه المراكز المتخصصة في القطاع الحكومي والخاص، يُنفق عليها سنويا أكثر من 500 مليون ريال، إلا أن الجراحة ليست الحل للغالبية العظمى ممن يعانون من البدانة. ولو أنه تم تخصيص مثل هذا المبلغ للقيام بحملات وطنية شاملة وبرامج تثقيفية ورياضية في المدارس والأحياء والأندية لتمكنّا من الحصول على نتائج واضحة وملموسة.



ومن هنا نقول إنه من الاستحالة بمكان أن نحاصر هذا الشبح الذي يهدد مجتمعنا بالكامل دون إنشاء إدارة أو هيئة متكاملة تُعنى بظاهرة البدانة تجد كامل الدعم والتعاون من وزارات عدة، أهمها التعليم والتجارة، والثقافة والإعلام وهيئة الرياضة والشباب والترفيه.



الآن وبعد إعلان برامج التحول الوطني 2020 والذي يشمل جميع الوزارات والهيئات والذي يحتم التواصل والانسجام بينها لتحقيق تلك الأهداف، فإن الوقت قد أصبح مناسبا أكثر من أي وقت مضى لولادة رؤية واضحة لما يجب القيام به، يقود زمامها التنفيذيون الجدد في وزارة الصحة، عليهم ألا ينتظروا المبادرات من أحد حتى من جيل الرواد الذين أعيتهم جميع محاولاتهم السابقة، عليهم مراجعة ما حدث في الماضي، فالعديد من الأفكار بحاجة إلى إعادة صياغة ليتم تطبيقها بمهنية وحرفية عالية.



ولأن شبح البدانة يهددنا ومنذ أعمار مبكرة في مجتمع أكثر من نصفه تحت سن الخامسة والعشرين، فإن الإرادة الحازمة للتصدي لهذا الوباء يجب أن تعلن قبل فوات الأوان، وهذا أمر في غاية الأهمية.



سلطان فهيد التمياط - طبيب ومحاضر دولي بجراحات البدانة