الإسلاميون وحق الامتياز!

المكان: جامعتي الحبيبة بمدينة الرياض، الزمان: صيف 2002، المحاضرة: أصول الفقه، الدرس: باب سد الذرائع، المحاضر: أستاذي الفاضل الذي يسرد الأمثلة حتى يسهل على الطلاب استيعاب الدرس ويا ليته ما فعل، أو الحمد لله أنه فعل،

المكان: جامعتي الحبيبة بمدينة الرياض، الزمان: صيف 2002، المحاضرة: أصول الفقه، الدرس: باب سد الذرائع، المحاضر: أستاذي الفاضل الذي يسرد الأمثلة حتى يسهل على الطلاب استيعاب الدرس ويا ليته ما فعل، أو الحمد لله أنه فعل،

الاحد - 02 مارس 2014

Sun - 02 Mar 2014



المكان: جامعتي الحبيبة بمدينة الرياض، الزمان: صيف 2002، المحاضرة: أصول الفقه، الدرس: باب سد الذرائع، المحاضر: أستاذي الفاضل الذي يسرد الأمثلة حتى يسهل على الطلاب استيعاب الدرس ويا ليته ما فعل، أو الحمد لله أنه فعل، حيث ضرب مثلا بأن صاحب الفضيلة الشيخ فلان لا يجوز للقضاء قبول أي دعوى تقام ضده لأنه اشتهر بالورع والتقوى والعلم، ومن باب سد الذرائع عدم قبول دعاوى الدهماء والعوام ضده لأنها كيدية لا مناص، فلم يكن مني (وبلقافتي) المعهودة أو صدعي بالحق المعهود إلا أن قلت: اليهودي قاضى علي بن أبى طالب رضي الله عنه وأرضاه وقضي لليهودي وقبل علي وسلم، فغضب أستاذي وأخذ يدعك لحيته قاطعا بعض شعيراتها حتى شعرت أنه سوف يهم بقطع لساني وقال: تختلف الأحكام باختلاف الزمان والمكان، فعلمت وأنا طالب في الجامعة أن بعض المسلمين يعيشون أزمة حقيقية لبست عليهم دينهم وحولتهم إلى فئتين: رجال دين أصحاب امتيازات، وعوام منقوصو الحقوق.

ومنذ ذلك اليوم وأنا أتلمس مكامن الخلل لعلمي اليقين أن الإسلام شرعة الله الكاملة الصالحة لكل زمان ومكان وأن العالم سوف يلجأ للإسلام لينقذ نفسه من الهلاك، وعليه قمت بتتبع الحراك الإسلامي السياسي والاجتماعي والفكري المعاصر، فتبين لي أنه منذ سقوط الدولة العثمانية وزوال ما تبقى من مكونات الخلافة الإسلامية معها وكثير من المسلمين يعيشون حالة صدمة، حيث كان الحراك الإسلامي السياسي والاجتماعي والفكري في معظمه ردة فعل لتك الصدمة ومحاولة لاستعادة أمجاد الخلافة، إلا أن محاولات الحراك الإسلامي في الاستعادة باءت بالفشلة الذريع على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى على المستوى الفكري الذي يعد الأهم في نظام الخلافة الإسلامية، حيث إن نظام الخلافة الإسلامية إرث حضاري وإنساني وثقافي وعلمي واقتصادي وعسكري وتشريعي كبير، يرتكز على مجموعة قيم ومبادئ أساسية أصلها كتاب الله عز وجل والسنة النبوية المطهرة، ومن أبرز تلك المبادئ:- مبايعة واختيار الخليفة والتراضي عليه من قبل أهل الحل والعقد (وهم ممثلو وزعماء النسيج المجتمعي) بما يحقق مبدأ الشورى بين عقلاء المسلمين حصرا.

- التعفف عن طلب السلطة، وعدم جواز الخروج عن الحاكم كأصل عام.

- المساواة بين المسلمين مساواة تامة في الحقوق والواجبات.

- التراحم والتعاطف والتكافل بين المسلمين.

- حماية واحترام أهل الكتاب ودور عبادتهم.

وبتأمل تلك المبادئ التي تعد من أبرز أسس نظام الخلافة الإسلامية، يتضح جليا فشل معظم الإسلاميين في توفير الحد الأدنى من تلك المبادئ إلا من رحم الله، فهم يلهثون وراء السلطة ويشكلون الأحزاب لأجلها، ومنهم من يحرض الشارع للخروج على ولي الأمر.

ومن اللافت للنظر أن الحراك الإسلامي المتخلي عن تلك القيم والأسس لا تجده يعير قضية فلسطين وقضايا العدوان على الشعوب المسلمة المستضعفة اهتماما حقيقيا، حتى لو كان يؤمن بالعنف واستخدام القوة في تحقيق أهدافه، بقدر ما يهتم بالوصول للسلطة، ويتضح ذلك جليا في كمية العنف الذي أطلقته تلك الجماعات داخل الدول الإسلامية وعلى الشعوب المسلمة بالمقارنة مع العنف المرتكب في دول غير إسلامية.

وفي نظري أن أسوأ ما أنتجه البعد عن المبادئ والقيم الإسلامية الحضارية هو: أولاً: إظهار الشريعة الإسلامية الغراء على أنها إقامة الحدود، وضرب المعاكسين للفتيات في الأسواق، وتعنيف من تأخر عن الصلاة، وترك باقي أحكام التشريع الإسلامي الحضاري والراقي من إعمار الأرض والتيسير على الناس وتطوير منشآت الدولة وتطوير المرافق العامة ومحاربة الفساد الإداري والمالي وليس الأخلاقي فقط بما يعود بالنفع والخير للبشرية جمعاء، حتى أصبح الشخص العادي يشعر بأن الحراك الإسلامي السياسي والاجتماعي والفكري مختزل في باب الجنايات فقط، ولا توجد في الإسلام جوانب حضارية أخرى من عمران وطب ورياضيات وهندسة وقضاء عادل وعسكرية متطورة تحترم حقوق الإنسان.

ثانياً: تقديس الذات والغلو في تنزيهها وبالتالي منح الشخص المنتمي لحراك أو جماعات إسلامية نفسه حق الامتياز على سائر الخلق وذلك يندرج في علم النفس ضمن جنون العظمة وفي علم الشريعة تحت تزكية النفس وفي علم القانون تحت حق الامتياز.

الأمر الذي انعكس بشكل سلبي ومدمر على من أرادوها خلافة إسلامية عادلة بشكل مخيف، حيث افترق الإسلاميون في طلبهم للخلافة المنشودة إلى فرق، فمنهم من تحول إلى مجرم يقتل المسلمين وغير المسلمين دون أي ورع أو مخافة من الله في سبيل إعادة الخلافة، ومنهم من ينهب المال العام وأموال الصدقات والجمعيات الخيرية ويودعها في أرصدته البنكية لإعادة الخلافة؛ لأن المؤمن الغني خير من الفقير، ومنهم من يحرض صغار السن للخروج على ولي الأمر وتفجير أنفسهم بالأحزمة الناسفة حتى يتسنى للمتفجر الزواج من الحور العين بمجرد تناثر أشلائه، ويبقى من أفتاه ليتمتع بالحياة الرغيدة ويتعدد في الزواج من حور الدنيا تحت مسميات الزواج الحديثة والمتنوعة...إلخ.

إن غياب تلك المبادئ عن وجدان وفكر الحراك الإسلامي أسفر عن خلق نفسية نرجسية يجدها الناس في التحول العجيب للإسلاميين من الزهدة والتعفف إلى حياة البذخ وطلب السلطان والمناصب والثراء الفاحش عبر المزايدات السياسية باسم الدين، وممارسة دور المعارضة السياسية حتى يحظى بالأعطيات فإن لم ينلها أشاع الفتن لإسقاط النظام السياسي القائم حتى لو هلك المسلمون كافة في سبيل تحقيقه لغاياته السياسية.

كما تتضح تلك النرجسية في تعالي وغطرسة الإسلاميين الحركيين على الناس أو من يسمونهم بالدهماء والرعاع.

وفي هذا السياق جال في خاطري موقف تعرضت له شخصيا مع أحد وأقول أحد أصحاب الفضيلة حفظهم الله، حين رمقني بنظرة احتقار وتعال صبها علي ومن ثم أشاح بعينيه عني وصرفهما لفرط احتقاره لي، وليس الإشكال في صرفه نظره المقدس عني، ولكن في صرف نظره عن دعواي لأنني من العوام والدهماء، فالكركتر لا يوحي أني محسوب على النخبة الإسلامية.

أعتقد أن الانحراف عن الأسس الإسلامية السليمة خلق نوعين من الحراك الإسلامي كلاهما شر، الأول من يحسب أنه يحسن صنعا وهو على ضلال مبين مثل الفئة الضالة، والثاني من يشتري بآيات الله ثمنا قليلا مثل من يمنح نفسه حق الامتياز والتفضيل والفوقية على باقي المسلمين.

وكل ذلك وبلا ريب خطر داهم يهدد صفاء العقيدة والدعوة إلى الله ويقوض الأسس والمبادئ الإسلامية الأصيلة التي لأجلها بعث الله رسله، الخطر الذي يجب على الأمة علماء وأفرادا وحكومات ضرورة التصدي له بالتمسك بالمبادئ والقيم الإسلامية العظيمة وترسيخها في مناهج التعليم ومنها قوله تعالي



(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، وقوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ



أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وقول نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: (إن الله كتب الإحسان على كل



شيء...)، وضرورة التمسك بالنهج النبوي المطهر وما كان عليه أصحاب رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم والسلف الصالح رضي الله عنهم،



والاقتداء بسير العلماء الربانيين الذين أحبوا أوطانهم ومواطنيهم وناصحوا قيادتهم بالكلمة الطيبة وزهدوا في السلطة وفيما في يد السلطان، ولذلك كانوا مؤثرين وفاعلين في عملية الإصلاح والدعوة إلى دين الله عز وجل.