الإنتاج ينتصر!
الاثنين - 27 ديسمبر 2021
Mon - 27 Dec 2021
إن الأثر الذي يذكره التاريخ هو الإنتاج، عدا ذلك فالناس لا ترى شيئا غيره، ولو احتفت بالكلام ساعة، إلا أنها سرعان ما تكتشف خداعه بلا إنتاج، وعندما تتحدث عن الحضارات فإنك لا ترى منها إلا ما بقي منها وهو إنتاجها، والأفراد لا يكادون يميزون بين آحادهم إلا بالإنتاج، فالإنسان هو عبارة عن مدخلات متعددة ويكادون يأخذون نفس المدخلات، كالعقل والحياة والفرص المتاحة وغيرها، ويتمايزون بالإنتاج الذي يصنعون به قوتهم مقارنة بغيرهم من تلك المدخلات، ولو طرح لك أحدهم عشرات الأفكار، وكل فكرة هي أجمل من أختها، فإنه لا تعدو كونها فكرة أو كلاما أو تنظيرا على رأي سذجهم، لكن واحدة من تلك الأفكار تخرج على أرض الواقع تعتبر فتحا عظيما، لأن الناس لا ترى إلا ما هو مادي، ولا ترى من النجاح إلا ما يحقق منفعة، ولا تتم المنفعة إلا بالإنتاج.
المثقف الذي أفنى حياته بين الكتب، وغاصت حياته بين علماء الفلسفة والعلوم، بين الشعر والأدب، وبين الروايات والملاحم وكتب التراث والقانون، يستوعب العلوم دون أن ينتج شيئا، تتوقف سيرته وحياته بموته، ما لم ينتج شيئا ما يوثق فيها ثقافته، ويبدو الأكثر سذاجة من الكتاب، هم الأكثر حضورا بفضل عدد الأغلفة التي ألفوها –بغض النظر عن محتواها– لأنهم الأكثر إنتاجا، وهذا –في نظري– شيء جيد، برغم أن هناك من يعيب هذا الأمر بأنه (كما) على حساب (الكيف)، فأقول: بأن (الكم) إن تراكم ولقي من يتلقاها صارت هناك منافسة بين (الكم) فيما بينها على الكيف.
ومهما يكن من أمر، فالتاجر الذي يتكلم كثيرا لا يمكن تسميته تاجرا ما لم يمارس التجارة ويربح؛ فالناس لا ترى من تجارته إلا مقدار أثرها عليها، والعبرة من إنتاجه من تجارته، والمهندس الذي يخطط على الورق، قد يكون مغريا في الإنصات إليه، لكن سيبقى فاشلا بما تعني هذه الكلمة من قسوة، ما لم يترجم خططه المعمارية والهندسية على أرض الواقع إنتاجا ملموسا، ذلك أن الكلام سهل، والرسم على الورق أكثر سهولة، لكن العمل على الواقع وإبهار الناس هو الأكثر صعوبة وتحديا مع واقع مليء بالتحديات، وذلك هو الإنتاج، والطبيب الذي قاتل في سنوات الدراسة وأخذ المعدلات الرائعة، ليس كأخيه الطبيب الناجح الذي عمل على الإنتاج بعد التخرج، فالناس لا ترى شهادتك ولا معدلاتك، ولكن ترى أثرك على الناس (إنتاجك) فقط!
أما على مستوى المؤسسات فسهل جدا أن تؤسس لك وحدة إعلامية تتحدث عما تنوي فعله، عن خططك وأفكارك العظيمة، تتخللها رسومات وفيديوهات وإنفوجرافيك وبروباجاندا إعلامية، لكن الناس لا تنتظر منك إلا أن ترى تلك الخطط إنتاجا (ليس كلها ولا نصفها ولا بعضها بل أقل القليل منها) على أرض الواقع ليستفيدوا منها، وإلا فإنها تصطف في صف الكلام!
حتى الحضارات، كما أسلفت، لا يبقى منها إلا الإنتاج، أما ما عدا ذلك فإن الأمم تنساه، فإن جهود المغول والفايكنج القوية العلجة طارت لأنها كانت مجردة من الإنتاج الحضاري الذي يبقى فلم يحترمهم أحد، ولا يأتي على ذكرهم أحد، إلا مرورا تاريخيا لسد فجوة الزمن في تلك الفترة، وبقيت الحضارة المصرية والفينيقية واليونانية والإسلامية وعصور النهضة؛ لأنها أنتجت شيئا يبقى ويراه الناس على هيئة أهرامات أو حدائق معلقة أو على هيئة فلسفة وكتب أو ترجمة وتأسيس علوم تجريبية وبناء معماري خاص أو على هيئة نهضة صناعية لا يزال العالم يرفل في ظلها.
ويمكن القول بلا مواربة، أن الإنتاج مهما صغر وقل، ومها صار لطيفا وساذجا هو المقياس الذي يعتمد عليه، عدا ذلك هي أفكار الإنسان الذي تذهب وتجيء بلا فائدة!
Halemalbaarrak@
المثقف الذي أفنى حياته بين الكتب، وغاصت حياته بين علماء الفلسفة والعلوم، بين الشعر والأدب، وبين الروايات والملاحم وكتب التراث والقانون، يستوعب العلوم دون أن ينتج شيئا، تتوقف سيرته وحياته بموته، ما لم ينتج شيئا ما يوثق فيها ثقافته، ويبدو الأكثر سذاجة من الكتاب، هم الأكثر حضورا بفضل عدد الأغلفة التي ألفوها –بغض النظر عن محتواها– لأنهم الأكثر إنتاجا، وهذا –في نظري– شيء جيد، برغم أن هناك من يعيب هذا الأمر بأنه (كما) على حساب (الكيف)، فأقول: بأن (الكم) إن تراكم ولقي من يتلقاها صارت هناك منافسة بين (الكم) فيما بينها على الكيف.
ومهما يكن من أمر، فالتاجر الذي يتكلم كثيرا لا يمكن تسميته تاجرا ما لم يمارس التجارة ويربح؛ فالناس لا ترى من تجارته إلا مقدار أثرها عليها، والعبرة من إنتاجه من تجارته، والمهندس الذي يخطط على الورق، قد يكون مغريا في الإنصات إليه، لكن سيبقى فاشلا بما تعني هذه الكلمة من قسوة، ما لم يترجم خططه المعمارية والهندسية على أرض الواقع إنتاجا ملموسا، ذلك أن الكلام سهل، والرسم على الورق أكثر سهولة، لكن العمل على الواقع وإبهار الناس هو الأكثر صعوبة وتحديا مع واقع مليء بالتحديات، وذلك هو الإنتاج، والطبيب الذي قاتل في سنوات الدراسة وأخذ المعدلات الرائعة، ليس كأخيه الطبيب الناجح الذي عمل على الإنتاج بعد التخرج، فالناس لا ترى شهادتك ولا معدلاتك، ولكن ترى أثرك على الناس (إنتاجك) فقط!
أما على مستوى المؤسسات فسهل جدا أن تؤسس لك وحدة إعلامية تتحدث عما تنوي فعله، عن خططك وأفكارك العظيمة، تتخللها رسومات وفيديوهات وإنفوجرافيك وبروباجاندا إعلامية، لكن الناس لا تنتظر منك إلا أن ترى تلك الخطط إنتاجا (ليس كلها ولا نصفها ولا بعضها بل أقل القليل منها) على أرض الواقع ليستفيدوا منها، وإلا فإنها تصطف في صف الكلام!
حتى الحضارات، كما أسلفت، لا يبقى منها إلا الإنتاج، أما ما عدا ذلك فإن الأمم تنساه، فإن جهود المغول والفايكنج القوية العلجة طارت لأنها كانت مجردة من الإنتاج الحضاري الذي يبقى فلم يحترمهم أحد، ولا يأتي على ذكرهم أحد، إلا مرورا تاريخيا لسد فجوة الزمن في تلك الفترة، وبقيت الحضارة المصرية والفينيقية واليونانية والإسلامية وعصور النهضة؛ لأنها أنتجت شيئا يبقى ويراه الناس على هيئة أهرامات أو حدائق معلقة أو على هيئة فلسفة وكتب أو ترجمة وتأسيس علوم تجريبية وبناء معماري خاص أو على هيئة نهضة صناعية لا يزال العالم يرفل في ظلها.
ويمكن القول بلا مواربة، أن الإنتاج مهما صغر وقل، ومها صار لطيفا وساذجا هو المقياس الذي يعتمد عليه، عدا ذلك هي أفكار الإنسان الذي تذهب وتجيء بلا فائدة!
Halemalbaarrak@