الإفراط في تدليل الأطفال هل له عواقب؟
الاثنين - 27 ديسمبر 2021
Mon - 27 Dec 2021
الملاحظ للمجتمعات في السعودية ومنطقة الخليج يدرك التغييرات التي حصلت ولا زالت مستمرة في مجتمعاتنا كنتيجة لكثير من الممارسات المستجدة، ووجود تغيير كبير في الثقافة خلال الخمسين أو الستين سنة الماضية. كثير من هذه الممارسات قد لا يكون صحيا وحتى مدمرا في بعض الأحيان، ولكن ملاحظتها قد تكون صعبة كونها تدريجية وبطيئة نوعا ما.
تنعم مجتمعاتنا -بفضل الله- بثقافة أسرية تميزها عن كثير من الأمم، مصدرها ديننا الحنيف «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ثم ثقافتنا وعاداتنا العربية التي تأصلت فينا برعاية الذرية والتباهي بهم أمام المجتمع، في مقارنة واضحة لبعض المجتمعات الغربية التي تعاني من التفكك الأسري، وتركز على النواحي المادية في الحياة، حتى أهملوا كبار السن وتخلوا عن أبنائهم وبناتهم عند بلوغ سن الثامنة عشرة بدعوى أنهم أصبحوا بالغين مسؤولين عن حياتهم.
كما تابعنا مؤخرا مظاهر مدمرة تشجع بل وتحاول إجبار المجتمعات المسلمة القبول بممارسات غريبة وشاذة مثل زواج المثليين وهذا أقصر طريق لدمار المجتمعات. الغريب في الموضوع أنه في المجتمعات الغربية التي تدعو إلى الديمقراطية وحرية الرأي لا يستطيع العربي والمسلم التصريح بمثل هذه الأفكار الرافضة لتلك الممارسات؛ لأن ثقافة هذه المجتمعات تعتبرها عنصرية غير مقبولة، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك، فقد يعتبر التنديد بسياسات إسرائيل العنصرية على سبيل المثال تحريضا ضد السامية ونوعا من سلوكيات الكراهية، وقد يعامل من يعلن هذه الأفكار على أنه شخص عنصري، علما بأن نشر مثل هذه الثقافات والأفكار له علاقة باللوبيات التي تدعم حقوق المثليين والداعمة لإسرائيل سياسيا.
ولا أود الاسترسال في هذا الاتجاه بقدر ما أريد تسليط الضوء على موضوع نفسي مجتمعي محلي يتعلق بتربية أطفالنا. فمن الملاحظ كثرة استخدام العاملات والمربيات من جنسيات آسيوية في منطقة الخليج، ومن دول تختلف معنا اختلافا جذريا في الدين والثقافة واللغة، ولذلك آثار عميقة على أطفالنا وبعيدة المدى. فنرى الأطفال الصغار يتأخرون في النطق بنسب كبيرة حسب الأبحاث التي قمت بها في هذا المجال أثناء عملي في دولة الإمارات، وكانت نسب الأطفال المراجعين لعيادة الطب النفسي والذين يعانون من تأخر في النطق تصل إلى 14% وهي نسبة عالية. بل ورأيت في المملكة أطفالا يتقنون كلمات من لغات آسيوية قبل إتقانهم العربية؛ فالاختلاط بالمربية الآسيوية وغياب دور الوالدين لهما دور كبير لا يخفى على أحد.
وفي هذا السياق نرى الأطفال ينشؤون في جو من الدلال المفرط، فالمربية نادرا ما تضع نظاما للطفل وعقابا عند مخالفة الطفل للسلوك المقبول، فالتعليمات من الأم للمربية في أغلب الأحيان «إياك أن تعاقبي طفلي أو ترفعي صوتك عليه» ولو تجرأت المربية بضرب الطفل تكون النتيجة إنهاء خدماتها. فينشأ الطفل في جو من الدلال المبالغ فيه وكل طلباته مجابة، وإن تأخرت المربية في تنفيذ طلباته نرى الطفل يبدأ في الصراخ ونوبات الهيستيريا أو يضرب من حوله، عند ذلك تسرع الأم لتعاقب المربية. ويستمر التعامل مع الطفل بهذا الأسلوب حتى يكبر ويصبح مراهقا وحينها تصبح المشاكل كبيرة ولا يمكن تجاهلها. فعندما كان الطفل صغيرا كانت هذه السلوكيات «كيوت» ولا أحد يكلمه؛ لأنه صغير ويكبر ويتعلم.. إلخ» ولكن عندما يصبح مراهقا يبدأ في المعاناة، ففي المدرسة يتلقى العقاب تلو العقاب يوما بعد يوم بسبب سلوكه غير المنضبط والمزعج للمعلمين ولأقرانه.
ومع مرور الوقت ينظر له الجميع على أنه مصدر إزعاج وسيئ السلوك والخلق فهذا ما تعود عليه في صغره وكان مقبولا وقتها هو لا يدرك ذلك، وتزداد معاناته عندما يبدأ أقرانه بالنفور منه؛ لأنه لم يعتد على مراعاة الآخرين في تعامله ولم يعتد المشاركة والآداب الاجتماعية المعروفة. ويستقبل والداه مكالمات يومية وشكاوى من المدرسة وقد يؤدي ذلك السلوك إذا استمر إلى طرده من المدرسة أو عدة مدارس. هذه ليست سيناريوهات خيالية أو مأخوذة من أفلام هوليوود، بل قصص حقيقية رأيتها مرارا وتكرارا على مدى ثلاثين سنة من ممارستي كطبيب نفسي للأطفال.
وقد يكون المراهق من المحظوظين وبمساعدة الوالدين ومعالج نفسي سلوكي وتوفيق من الله، تتغير هذه السلوكيات ويتم تدارك المشاكل قبل أن تصبح خارج السيطرة. ولكن هناك قلة من المراهقين ممن قد تتفاقم عندهم هذه السلوكيات وفي غياب الوالدين أو مساعدة المختصين قد تتحول إلى سلوكيات إجراميه؛ لأن المراهق ينشأ ناقما على المجتمع الذي يرفض أن يتقبل سلوكياته.
الرسالة التي أحب توجيهها إلى أسرنا وأهلنا في كل مكان وخاصة في دول الخليج هي لا تتركوا تربية أطفالكم بيد المربيات فهم أمانة في أعناقكم، وكونوا موجودين ومشاركين في كل نشاطات أبنائكم وبناتكم، وتنبهوا للمشاكل عند بدايتها وحلوها، وتجنبوا تدليل أطفالكم؛ لأن عواقب ذلك وخيمة وقد ينشأ الطفل ناقما على أسرته ومجتمعه للأسباب التي ذكرتها. أصلح الله لنا ولكم الذرية ووفقهم لكل خير.
almaiahmad2@
تنعم مجتمعاتنا -بفضل الله- بثقافة أسرية تميزها عن كثير من الأمم، مصدرها ديننا الحنيف «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ثم ثقافتنا وعاداتنا العربية التي تأصلت فينا برعاية الذرية والتباهي بهم أمام المجتمع، في مقارنة واضحة لبعض المجتمعات الغربية التي تعاني من التفكك الأسري، وتركز على النواحي المادية في الحياة، حتى أهملوا كبار السن وتخلوا عن أبنائهم وبناتهم عند بلوغ سن الثامنة عشرة بدعوى أنهم أصبحوا بالغين مسؤولين عن حياتهم.
كما تابعنا مؤخرا مظاهر مدمرة تشجع بل وتحاول إجبار المجتمعات المسلمة القبول بممارسات غريبة وشاذة مثل زواج المثليين وهذا أقصر طريق لدمار المجتمعات. الغريب في الموضوع أنه في المجتمعات الغربية التي تدعو إلى الديمقراطية وحرية الرأي لا يستطيع العربي والمسلم التصريح بمثل هذه الأفكار الرافضة لتلك الممارسات؛ لأن ثقافة هذه المجتمعات تعتبرها عنصرية غير مقبولة، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك، فقد يعتبر التنديد بسياسات إسرائيل العنصرية على سبيل المثال تحريضا ضد السامية ونوعا من سلوكيات الكراهية، وقد يعامل من يعلن هذه الأفكار على أنه شخص عنصري، علما بأن نشر مثل هذه الثقافات والأفكار له علاقة باللوبيات التي تدعم حقوق المثليين والداعمة لإسرائيل سياسيا.
ولا أود الاسترسال في هذا الاتجاه بقدر ما أريد تسليط الضوء على موضوع نفسي مجتمعي محلي يتعلق بتربية أطفالنا. فمن الملاحظ كثرة استخدام العاملات والمربيات من جنسيات آسيوية في منطقة الخليج، ومن دول تختلف معنا اختلافا جذريا في الدين والثقافة واللغة، ولذلك آثار عميقة على أطفالنا وبعيدة المدى. فنرى الأطفال الصغار يتأخرون في النطق بنسب كبيرة حسب الأبحاث التي قمت بها في هذا المجال أثناء عملي في دولة الإمارات، وكانت نسب الأطفال المراجعين لعيادة الطب النفسي والذين يعانون من تأخر في النطق تصل إلى 14% وهي نسبة عالية. بل ورأيت في المملكة أطفالا يتقنون كلمات من لغات آسيوية قبل إتقانهم العربية؛ فالاختلاط بالمربية الآسيوية وغياب دور الوالدين لهما دور كبير لا يخفى على أحد.
وفي هذا السياق نرى الأطفال ينشؤون في جو من الدلال المفرط، فالمربية نادرا ما تضع نظاما للطفل وعقابا عند مخالفة الطفل للسلوك المقبول، فالتعليمات من الأم للمربية في أغلب الأحيان «إياك أن تعاقبي طفلي أو ترفعي صوتك عليه» ولو تجرأت المربية بضرب الطفل تكون النتيجة إنهاء خدماتها. فينشأ الطفل في جو من الدلال المبالغ فيه وكل طلباته مجابة، وإن تأخرت المربية في تنفيذ طلباته نرى الطفل يبدأ في الصراخ ونوبات الهيستيريا أو يضرب من حوله، عند ذلك تسرع الأم لتعاقب المربية. ويستمر التعامل مع الطفل بهذا الأسلوب حتى يكبر ويصبح مراهقا وحينها تصبح المشاكل كبيرة ولا يمكن تجاهلها. فعندما كان الطفل صغيرا كانت هذه السلوكيات «كيوت» ولا أحد يكلمه؛ لأنه صغير ويكبر ويتعلم.. إلخ» ولكن عندما يصبح مراهقا يبدأ في المعاناة، ففي المدرسة يتلقى العقاب تلو العقاب يوما بعد يوم بسبب سلوكه غير المنضبط والمزعج للمعلمين ولأقرانه.
ومع مرور الوقت ينظر له الجميع على أنه مصدر إزعاج وسيئ السلوك والخلق فهذا ما تعود عليه في صغره وكان مقبولا وقتها هو لا يدرك ذلك، وتزداد معاناته عندما يبدأ أقرانه بالنفور منه؛ لأنه لم يعتد على مراعاة الآخرين في تعامله ولم يعتد المشاركة والآداب الاجتماعية المعروفة. ويستقبل والداه مكالمات يومية وشكاوى من المدرسة وقد يؤدي ذلك السلوك إذا استمر إلى طرده من المدرسة أو عدة مدارس. هذه ليست سيناريوهات خيالية أو مأخوذة من أفلام هوليوود، بل قصص حقيقية رأيتها مرارا وتكرارا على مدى ثلاثين سنة من ممارستي كطبيب نفسي للأطفال.
وقد يكون المراهق من المحظوظين وبمساعدة الوالدين ومعالج نفسي سلوكي وتوفيق من الله، تتغير هذه السلوكيات ويتم تدارك المشاكل قبل أن تصبح خارج السيطرة. ولكن هناك قلة من المراهقين ممن قد تتفاقم عندهم هذه السلوكيات وفي غياب الوالدين أو مساعدة المختصين قد تتحول إلى سلوكيات إجراميه؛ لأن المراهق ينشأ ناقما على المجتمع الذي يرفض أن يتقبل سلوكياته.
الرسالة التي أحب توجيهها إلى أسرنا وأهلنا في كل مكان وخاصة في دول الخليج هي لا تتركوا تربية أطفالكم بيد المربيات فهم أمانة في أعناقكم، وكونوا موجودين ومشاركين في كل نشاطات أبنائكم وبناتكم، وتنبهوا للمشاكل عند بدايتها وحلوها، وتجنبوا تدليل أطفالكم؛ لأن عواقب ذلك وخيمة وقد ينشأ الطفل ناقما على أسرته ومجتمعه للأسباب التي ذكرتها. أصلح الله لنا ولكم الذرية ووفقهم لكل خير.
almaiahmad2@