فحش الأسعار.. من المسؤول وكيف ينتهي؟
السبت - 25 ديسمبر 2021
Sat - 25 Dec 2021
استوقفني قبل أيام إعلان ترويجي يتم تداوله عبر أحد جروبات الواتس أب، من باب التندر والسخرية، عن رحلة بحرية لجزر منطقة جازان بـ 27 ألف ريال لأربعة أشخاص و5 أيام، وأخرى لجزر المالديف بـ 8900 ريال شاملة الإقامة والطيران لنفس العدد والأيام.
وبقدر امتعاضي من الطريقة التي كان يدور بها الحديث، إلا أنني لم أستطع منع نفسي من عقد المقارنة بين الرحلتين، والتساؤل؛ هل تستحق الرحلة الأولى بما يكتنفها من غموض كل هذا المبلغ؟ وما هي المعايير التي وضعت لاعتماد هذا السعر؟ وهل من أقره مطلع على أسعار البرامج السياحية في الدول التي تمتلك مقومات سياحية أفضل؟ وأخيرا لماذا أسعار معظم الأشياء والخدمات لدينا أغلى مما هي عليه في الدول الأخرى؟
قد يبدو السؤال الأخير يحمل في طياته صيغة مبالغة غير واقعية، ولكني أتحدث هنا عن تجارب نعيشها جميعا بشكل يومي ونحن نتسوق الكترونيا وواقعيا، ونتنقل بين مستشفياتنا وبنوكنا، حيث نلمس الفرق الشاسع بين أسعارنا وأسعار الآخرين.
ولتوضيح الصورة بشكل أدق، تفقد في الصيدلية التي تتعامل معها أسعار الأدوية التي تستخدمها عند الضرورة لمعالجة الرشح، أو الزكام، أو الإمساك، أو ارتفاع درجات الحرارة، أو نقص الفيتامينات، والأخرى التي تؤخذ بشكل منتظم كالسكري، أو الضغط، أو الكوليسترول، أو الدهون الثلاثية، أو الأجهزة التي تقيس مستوياتها، أو أي منتج آخر يتم استخدامه بشكل أساسي أو تكميلي، كمزيلات العرق، أو الفوط الصحية، أو فرش ومعاجين الأسنان، أو الحلاقة، وابحث عنها في أي محرك بحث على الإنترنت، ثم اعقد مقارنة بين الأسعار التي ستظهر أمامك والأخرى الموجودة في صيدلياتنا.
الأكيد أن النتيجة لمعظمها ستكون لصالح المعروض في محرك البحث على حساب الموجودة لدينا. المؤلم أن تكتشف أن بعضها قد تصل قيمتها بعد الشحن والتوصيل إلى باب بيتك، أقل من التي لدينا.
ولا يختلف الحال في قطاع السيارات عما هو عليه في الصيدليات، فأسعارها بالخارج أقل من الموجودة لدينا بفارق كبير وبمواصفات أفضل. يؤكد ذلك امتعاض وكيل سيارات محلي قبل أسابيع من وكيل نفس السيارات بالكويت، نتيجة تهافت السعوديين على الشراء من هناك على حساب المعروضة لديه.
أما قطع الغيار فحدث ولا حرج، ولعل تجربتي الشخصية عندما تعطل جير بوكس سيارتي الألمانية خير مثال لهذه الحالة، حيث رفض الوكيل المحلي إصلاحه بحجة أن ورشهم لا تصلح المعطوب، ولكن تستبدله. فسألته عن التكلفة التي سأتحملها فيما لو قررت شراء آخر جديد؟ فأخبرني والابتسامة تكاد تمزق وجهه أنه بنحو 90 ألف ريال.
فغادرته وأنا عاقد العزم على قطر سيارتي لأقرب مركز تشليح وبيعها سكراب، لولا أن كان برفقتي صديق متخصص في البيع والشراء عبر الإنترنت، وأقنعني بإمكانية شراء المطلوب من أحد مواقع قطع الغيار العالمية، وهو ما تم بعد ساعات بسيطة، حيث تم شراء واحد جديد بقيمة 15 ألف ريال شاملة أجرة الشحن والتركيب والبرمجة.
وكذلك الحال فيما لو أردت الاستمتاع بالأجواء الربيعية التي نعيشها هذه الأيام، فقيمة إيجار شاليه على البحر يتجاوز الأربعة آلاف ريال لليلة الواحدة، ونحو 2000 ريال للاستراحة، ما يعني أن قضاء ليلتين على البحر ستعادل راتب شهر كامل لموظف حكومي على المرتبة الثامنة.
أما لو قررت الاكتفاء بالعشاء في أحد مطاعم الأسماك المنتشرة على أطراف المدينة، فلا تتوقع أن تقل فاتورتك عن 800 ريال لعائلة مكونة من أربعة أشخاص. في حين أن ذهابك لسوق السمك المركزي، وشراء ما تحتاجه من هناك، سيكلفك ربع أو ثلث هذا المبلغ.
وما ينطبق على الشاليهات يمكن قياسه على الفنادق والشقق الفندقية، حيث المبالغة في الأسعار مع رداءة الخدمة وضعف التجهيزات، للدرجة التي تجعلك تتساءل؛ هل أنا مستأجر في منهاتن أو باريس أم في إحدى شقق أبها والوجه؟
ولو كنت من أصحاب الوزن الزائد وقررت إجراء عملية تكميم لمعدتك، أو استبدال مفاصل الركبتين بأخرى صناعية، فلا تتوقع أن تكون تكلفة جراحة الأولى أقل من 50 ألف ريال، وأكثر من 200 ألف ريال للثانية، في حين أنها تجرى في بعض دول الجوار بأقل من ذلك بكثير، حتى مع إضافة أسعار تذاكر الطيران والإقامة.
ولتكتمل سعادتك فكر بامتلاك شقة أو فيلا أو أرض في المدينة التي تعيش فيها، لتصدمك الأسعار الفلكية المنتهية دائما بـ5 أو 6 أصفار، والتي لولا دعم الدولة لذوي الدخل المحدود بتملك بيت العمر، لما تمكن معظمهم من مفارقة بيت الإيجار.
أما لو كانت شروط وزارة الإسكان لا تنطبق عليك، وقررت المغامرة بطلب تمويل بنكي، فلا تتوقع أن تكون القيمة التي ستدفعها أقل من ضعف القيمة الحقيقية إن لم يكن أكثر، وطرقك لهذا الباب يعني تنمية أرصدة أصحاب المحافظ الخاصة في تلك البنوك.
في المقابل نجد أن الكثير من السعوديين أصبحوا يتهافتون على تملك بيت العمر في مصر أو تركيا أو دول آسيا الوسطى، بسبب أسعارها التنافسية، وما يلقونه من تسهيلات بنكية تساعدهم على التملك وختم حياتهم بعد التقاعد هناك.
الغريب أن تجد من يلقي بلائمة ارتفاع الأسعار على تضخم رسوم الخدمات وتعددها وإقرار الضريبة في السنوات الأخيرة، وهؤلاء وإن كانوا محقين بعض الشيء، إلا أنها ليست كل الحقيقة، فالغلاء موجود لدينا منذ سنوات طويلة، قبل أن تتضاعف الرسوم أو نسمع بالضرائب، ويمكن التأكيد على أن القطاع الخاص كان دوما هو السباق في ارتفاع الأسعار، للدرجة التي تشعرك أنه يريد استرداد رأس ماله من الشهر الأول، وبالتالي يتفرغ بعد ذلك لجني الأرباح.
المشكلة التي لا أفهمها ولم أجد لها حلا، هل ما يحدث لدينا طبيعي، أم أننا متوهمون؟ هل أسواقنا منضبطة أم منفلتة؟ وهل فحش الأسعار سببه جشع التجار، أم غياب الرقابة، أم مفهوم «السوق الحر» القائم على العرض والطلب؟ وقبل ذلك، هل مصطلح «السوق الحر» حقيقة اقتصادية أم كذبة ابتدعها المتنفذون لاستغلال البسطاء؟
وإذا كانت حقيقة فما هو تفسير عدم تمكين البنوك الأجنبية المرخص لها بالعمل في السعودية من تقديم خدماتها وامتيازاتها لعملائها في المملكة بالطريقة التي تقدمها لعملائها في بلدها؟ ولماذا مع كل التنظيمات الحكومية ما زالت أسعار الوحدات السكنية مرتفعة وأكثرها غير مأهولة؟ ولماذا توجد آلاف الأمتار من الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني ولا يجد أكثرنا أرضا مناسبة لشرائها؟ ولماذا معظم القرارات التي تصدر تخدم الطرف الأقوى على حساب الأضعف، سواء كان الأقوى مؤسسات الدولة أو أصحاب المال والنفوذ؟
وسؤال أخير، لماذا يضطر البنك المركزي إلى تكرار تحذيره للبنوك من عدم الحجز على أي مبالغ تقرها الدولة للمواطنين كبدل غلاء معيشة أو مكافآت، في كل مرة تقر فيها الدولة مثل هذا العطاء؟
ختاما، أتمنى على كل من يمتلك إجابة لأسئلتي السابقة، ألا يبخل عليّ بالشرح والتوضيح، فمثلي كثير يعجز عقلهم البسيط عن فهم مثل هذه اللوغاريتمات.
alnowaisir@
وبقدر امتعاضي من الطريقة التي كان يدور بها الحديث، إلا أنني لم أستطع منع نفسي من عقد المقارنة بين الرحلتين، والتساؤل؛ هل تستحق الرحلة الأولى بما يكتنفها من غموض كل هذا المبلغ؟ وما هي المعايير التي وضعت لاعتماد هذا السعر؟ وهل من أقره مطلع على أسعار البرامج السياحية في الدول التي تمتلك مقومات سياحية أفضل؟ وأخيرا لماذا أسعار معظم الأشياء والخدمات لدينا أغلى مما هي عليه في الدول الأخرى؟
قد يبدو السؤال الأخير يحمل في طياته صيغة مبالغة غير واقعية، ولكني أتحدث هنا عن تجارب نعيشها جميعا بشكل يومي ونحن نتسوق الكترونيا وواقعيا، ونتنقل بين مستشفياتنا وبنوكنا، حيث نلمس الفرق الشاسع بين أسعارنا وأسعار الآخرين.
ولتوضيح الصورة بشكل أدق، تفقد في الصيدلية التي تتعامل معها أسعار الأدوية التي تستخدمها عند الضرورة لمعالجة الرشح، أو الزكام، أو الإمساك، أو ارتفاع درجات الحرارة، أو نقص الفيتامينات، والأخرى التي تؤخذ بشكل منتظم كالسكري، أو الضغط، أو الكوليسترول، أو الدهون الثلاثية، أو الأجهزة التي تقيس مستوياتها، أو أي منتج آخر يتم استخدامه بشكل أساسي أو تكميلي، كمزيلات العرق، أو الفوط الصحية، أو فرش ومعاجين الأسنان، أو الحلاقة، وابحث عنها في أي محرك بحث على الإنترنت، ثم اعقد مقارنة بين الأسعار التي ستظهر أمامك والأخرى الموجودة في صيدلياتنا.
الأكيد أن النتيجة لمعظمها ستكون لصالح المعروض في محرك البحث على حساب الموجودة لدينا. المؤلم أن تكتشف أن بعضها قد تصل قيمتها بعد الشحن والتوصيل إلى باب بيتك، أقل من التي لدينا.
ولا يختلف الحال في قطاع السيارات عما هو عليه في الصيدليات، فأسعارها بالخارج أقل من الموجودة لدينا بفارق كبير وبمواصفات أفضل. يؤكد ذلك امتعاض وكيل سيارات محلي قبل أسابيع من وكيل نفس السيارات بالكويت، نتيجة تهافت السعوديين على الشراء من هناك على حساب المعروضة لديه.
أما قطع الغيار فحدث ولا حرج، ولعل تجربتي الشخصية عندما تعطل جير بوكس سيارتي الألمانية خير مثال لهذه الحالة، حيث رفض الوكيل المحلي إصلاحه بحجة أن ورشهم لا تصلح المعطوب، ولكن تستبدله. فسألته عن التكلفة التي سأتحملها فيما لو قررت شراء آخر جديد؟ فأخبرني والابتسامة تكاد تمزق وجهه أنه بنحو 90 ألف ريال.
فغادرته وأنا عاقد العزم على قطر سيارتي لأقرب مركز تشليح وبيعها سكراب، لولا أن كان برفقتي صديق متخصص في البيع والشراء عبر الإنترنت، وأقنعني بإمكانية شراء المطلوب من أحد مواقع قطع الغيار العالمية، وهو ما تم بعد ساعات بسيطة، حيث تم شراء واحد جديد بقيمة 15 ألف ريال شاملة أجرة الشحن والتركيب والبرمجة.
وكذلك الحال فيما لو أردت الاستمتاع بالأجواء الربيعية التي نعيشها هذه الأيام، فقيمة إيجار شاليه على البحر يتجاوز الأربعة آلاف ريال لليلة الواحدة، ونحو 2000 ريال للاستراحة، ما يعني أن قضاء ليلتين على البحر ستعادل راتب شهر كامل لموظف حكومي على المرتبة الثامنة.
أما لو قررت الاكتفاء بالعشاء في أحد مطاعم الأسماك المنتشرة على أطراف المدينة، فلا تتوقع أن تقل فاتورتك عن 800 ريال لعائلة مكونة من أربعة أشخاص. في حين أن ذهابك لسوق السمك المركزي، وشراء ما تحتاجه من هناك، سيكلفك ربع أو ثلث هذا المبلغ.
وما ينطبق على الشاليهات يمكن قياسه على الفنادق والشقق الفندقية، حيث المبالغة في الأسعار مع رداءة الخدمة وضعف التجهيزات، للدرجة التي تجعلك تتساءل؛ هل أنا مستأجر في منهاتن أو باريس أم في إحدى شقق أبها والوجه؟
ولو كنت من أصحاب الوزن الزائد وقررت إجراء عملية تكميم لمعدتك، أو استبدال مفاصل الركبتين بأخرى صناعية، فلا تتوقع أن تكون تكلفة جراحة الأولى أقل من 50 ألف ريال، وأكثر من 200 ألف ريال للثانية، في حين أنها تجرى في بعض دول الجوار بأقل من ذلك بكثير، حتى مع إضافة أسعار تذاكر الطيران والإقامة.
ولتكتمل سعادتك فكر بامتلاك شقة أو فيلا أو أرض في المدينة التي تعيش فيها، لتصدمك الأسعار الفلكية المنتهية دائما بـ5 أو 6 أصفار، والتي لولا دعم الدولة لذوي الدخل المحدود بتملك بيت العمر، لما تمكن معظمهم من مفارقة بيت الإيجار.
أما لو كانت شروط وزارة الإسكان لا تنطبق عليك، وقررت المغامرة بطلب تمويل بنكي، فلا تتوقع أن تكون القيمة التي ستدفعها أقل من ضعف القيمة الحقيقية إن لم يكن أكثر، وطرقك لهذا الباب يعني تنمية أرصدة أصحاب المحافظ الخاصة في تلك البنوك.
في المقابل نجد أن الكثير من السعوديين أصبحوا يتهافتون على تملك بيت العمر في مصر أو تركيا أو دول آسيا الوسطى، بسبب أسعارها التنافسية، وما يلقونه من تسهيلات بنكية تساعدهم على التملك وختم حياتهم بعد التقاعد هناك.
الغريب أن تجد من يلقي بلائمة ارتفاع الأسعار على تضخم رسوم الخدمات وتعددها وإقرار الضريبة في السنوات الأخيرة، وهؤلاء وإن كانوا محقين بعض الشيء، إلا أنها ليست كل الحقيقة، فالغلاء موجود لدينا منذ سنوات طويلة، قبل أن تتضاعف الرسوم أو نسمع بالضرائب، ويمكن التأكيد على أن القطاع الخاص كان دوما هو السباق في ارتفاع الأسعار، للدرجة التي تشعرك أنه يريد استرداد رأس ماله من الشهر الأول، وبالتالي يتفرغ بعد ذلك لجني الأرباح.
المشكلة التي لا أفهمها ولم أجد لها حلا، هل ما يحدث لدينا طبيعي، أم أننا متوهمون؟ هل أسواقنا منضبطة أم منفلتة؟ وهل فحش الأسعار سببه جشع التجار، أم غياب الرقابة، أم مفهوم «السوق الحر» القائم على العرض والطلب؟ وقبل ذلك، هل مصطلح «السوق الحر» حقيقة اقتصادية أم كذبة ابتدعها المتنفذون لاستغلال البسطاء؟
وإذا كانت حقيقة فما هو تفسير عدم تمكين البنوك الأجنبية المرخص لها بالعمل في السعودية من تقديم خدماتها وامتيازاتها لعملائها في المملكة بالطريقة التي تقدمها لعملائها في بلدها؟ ولماذا مع كل التنظيمات الحكومية ما زالت أسعار الوحدات السكنية مرتفعة وأكثرها غير مأهولة؟ ولماذا توجد آلاف الأمتار من الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني ولا يجد أكثرنا أرضا مناسبة لشرائها؟ ولماذا معظم القرارات التي تصدر تخدم الطرف الأقوى على حساب الأضعف، سواء كان الأقوى مؤسسات الدولة أو أصحاب المال والنفوذ؟
وسؤال أخير، لماذا يضطر البنك المركزي إلى تكرار تحذيره للبنوك من عدم الحجز على أي مبالغ تقرها الدولة للمواطنين كبدل غلاء معيشة أو مكافآت، في كل مرة تقر فيها الدولة مثل هذا العطاء؟
ختاما، أتمنى على كل من يمتلك إجابة لأسئلتي السابقة، ألا يبخل عليّ بالشرح والتوضيح، فمثلي كثير يعجز عقلهم البسيط عن فهم مثل هذه اللوغاريتمات.
alnowaisir@