عريب الشريف

جادة الثلاثين

الثلاثاء - 21 ديسمبر 2021

Tue - 21 Dec 2021

منذ أن أطفئت أول شمعة في جادة الثلاثين أدركت أن هذه الحياة لا قيمة لها دون رغباتي الملحة، التي لطالما حلمتُ بها، وطموحاتي العالية التي لا سقف لها، فمع كل هذا وذاك مرت بي أعوام أوقفت بها عجلة زماني أو بأصدق تعبير لهوت وقصرت دون قصد مني وتفكير في حق إنسانيتي وذاتي؛ وألمنِي جرس الثلاثين حين نبهني لذلك وكأنه نكش جُرح فوق جُرح، وبدى لي فجأةً جنون العشرين وطيش المراهقة وكأنني أدركت قيمة الحياة الآن وأن لدي ما أخسره ولدي ما أحبه وأرغبه، ولدي القدرة على المواجهة لانتزاع ما يحق لي، فلم يكن الهروب يوماً طوق نجاة ولم يكن التخلي إلا بداية جديدة، وماكانت المواجهة إلا المفر الأَول لالتقاطِ أول لقمِ النجاح والحظ السعيد، فأنت حين تواجه مصيرك وتعاركه وتتحداه تكون بذلك قد انتصرت لنفسك وصقلت شخصيتك وتعلمت متى يجب العراك من أجل النيل لفوزك ومتى تنسحب بطريقه ناجحة لا خلل فيها ولا هزائم أو على الأقل لا تُهزم فيها روحك، لأن الانهزام الداخلي يضعفك وقد يورثك اليأس فتقف عن هذا الحد وتنتظر ومن أجل أحلامك لا تنتظر.

سيفهمني كل ثلاثيني يقرأ، وسيعي كل عشرينيً مُقبلً ما ينتظره بأن الهروب ليس مأمنك الوحيد دائماً وأنك كلما استطعت أن تواجه كلما استطعت أن تتخلى دون خوفً ويقوى عودك بكل ثقةَ واصرار، لذلك قاتل هذا السنوات وافخر بذاتك واركض للعلو قبل أن يفوت الأَوان، حتى لا تصل إلى محكِ العمر دون أشيائك الجميلة، ودون طموحاتك العظيمة، ودون قوتك التي يستمدها منك أخلافك، واصل حتى ترقى إلى بلوغ القمم فهذه هي الحياة إما أن تنتزع روحك منك، أو أن تَنتزع بيدك نجاحاتك أنت.