الدعوة إلى الإضراب عن البدناء غير إنسانية

الجمعة - 05 أغسطس 2016

Fri - 05 Aug 2016

أشير أولا إلى أن ما تم طرحه من قبل الكاتبة سحر أبو شاهين في هذه الصحيفة الجميلة يعتبر فكرة فريدة ولكنها تبدو خالية من المشاعر الإنسانية، فقد تجردت فيها الزميلة عن أبسط الأمور الإنسانية وتركت لقلمها العنان دون مشاعر أو إحساس بما يعيشه بعض الناس في كل المجتمعات.



لقد قامت بجرح مشاعر هؤلاء الناس الذين يتصف بعضهم بصفة الحساسية والانزواء من المجتمع، نتيجة سمنتهم الزائدة التي لم يجدوا لها حلا. فبعض الناس مصابون بالسمنة ليس من جراء الإفراط في الأكل والشرب بل بسبب خلل في أنزيمات الجسد وإفرازات الغدد التي لا يمكن التحكم بها بسهولة، فما ذنبهم كي يحكم عليهم بالحكم القاسي الذي يفرض عليهم المقاطعة التي تتبناها الزميلة كاتبة المقال (أضربوا عن الزواج من البدناء)، وكيف تطلب وتحث الناس على الإضراب عن الزواج بأصحاب السمنة الزائدة؟! هل هذا من الدين؟ هل هو من القيم؟ وهل على الزوجة أن تختار الرجل بمظهره فقط؟ أين الأخلاق إذن؟ مثل هذا الإضراب لو تحقق كما هي تريد، أعتقد أننا سنشهد كارثة نفسية لأصحاب السمنة، وكذلك لذويهم أيضا علاوة على ما سيعانونه من إرهاق نفسي وجسدي في عملية التخسيس والتنحيف والتخفيف من أوزانهم، علما بأن البعض يمكن أن يصل إلى مشاكل صحية ليست بسيطة بسبب لخبطة إفرازات الغدد عنده. وقد تكون سمنة البعض سمنة مرضية أساسا، أو بسبب أمراض أخرى يفرض العلاج منها وجود السمنة، أو أن العلاج من أعراضه السمنة. فإذا كانت السمنة مرضية أو هي نتيجة طبيعية لمرض معين أو نتيجة طبيعية لعلاجات معينة فهل يعاقب المريض بعدم الارتباط به لكونه سمينا؟ وإذا افترضنا أن الفتاة تزوجت شابا نحيفا أو الشاب تزوج بفتاة رشيقة، فهل هذا يضمن عدم حصول السمنة بعد الزواج، خصوصا أننا نجد تغيرات هرمونية تحصل للفتاة في كل مرحلة من مراحل حياتها، فكيف نضمن أن تبقى الفتاة على نفس الرشاقة التي كانت عليها، كما كيف نضمن نحافة الشاب بعد سنة أو سنتين من الزواج. هل ستخرج الكاتبة مرة ثانية لتنادي بالانفصال من البدناء، أو تنادي بإجبار أحدهما للآخر بإنزال الوزن تحت التهديد بالطلاق وعدم الاستمرار؟ إنه كلام غير منطقي أبدا. أتساءل كيف للكاتبة وهي أنثى يفترض فيها أن تحمل مشاعر العطف والحنان أن تتجرد من هذه المشاعر لتنادي بفرض قيود بعدم الارتباط بالبدناء؟ بعض الناس يولدون ببنية ضخمة أساسا، وكان عليها كأنثى أن تشعر بهؤلاء الناس قبل أن تكتب مقالا كهذا. وأود أن أضيف بأنه يفترض في الكاتبة كصحفية وإعلامية تمتلك ثقافة واسعة أن تفهم أن السمنة تحتاج في محاربتها لأمور عديدة جدا من أهمها التوعية الصحية، والتوعية الغذائية، فضلا عن ضرورة وجود توعية في عادات وطرق الأكل، وكذلك ضرورة وجود توعية من بعض العادات التي تعتبر مساعدات للسمنة. نحن بحاجة لتكاتف وتضافر الجهود من مختلف الدوائر الحكومية وغير الحكومية في محاربة السمنة والعمل على إيجاد جيل ونشء سليم يتمتع بالرشاقة. أود أن أسأل.. كيف يمكن أن نطلب من المجتمع مقاطعة الزواج من البدناء ونحن كمجتمع لم نحاول إيجاد حلول كافية للمساعدة في التخلص من السمنة والبدانة؟ لماذا نضع العقاب قبل محاولة وضع حلول للوقاية؟ وإذا كانت الكاتبة تريد أن تجد حلا بهذه الطريقة من خلال تشكيل ضغط على البدناء وإقصائهم اجتماعيا فلتسمح لي أن أقول لها إن هذا الأسلوب غير تربوي وغير واع فالتحفيز يكون بالترغيب وليس بالتهديد والوعيد وأسلوب العقاب. أسلوب التهديد والوعيد وكذلك أسلوب العقاب لم يعد أسلوبا مجديا، كما أنه غير صحي وغير تربوي لأجيالنا القادمة كما يعد أسلوبا مخالفا لأنظمة التعليم لدينا في هذا الوطن الحبيب. نعم نرفض السمنة وهناك جهات تقوم بجهود مشكورة للتوعية بأخطارها وأضرارها ونتمنى أن يتكاتف المجتمع للقضاء عليها ولكن ليس بأسلوب الكاتبة وهو الإضراب، الذي لا يمثل سوى جرح لمشاعر وأحاسيس فئة غالية على قلوبنا. ولو حاولت الكاتبة قبل كتابة هذا المقال أن تتعرف على نفسيات البدناء لوجدت فيهم من الوجع والخجل والمعاناة ما يكفيهم، وما يجعلها تتوقف عن كتابة شيء يزيد من جرح مشاعرهم ووجعهم وخجلهم وكذلك ورطتهم ومحنتهم في الحصول على ملابس يشتهونها كل يوم. أجد أنه لزاما علينا كإعلاميات ومثقفات ويفترض فينا الوعي أن نراعي مشاعر الناس قبل أن نكتب ما نريد أو نتحدث فيما نريد دون أن نخدش مشاعر فئة معينة في المجتمع. وعليها أن تعلم أن التدهور النفسي للمريض يزيد حالته العضوية سوءا أكثر، فالخلل النفسي له تأثير كبير على خلل الأعضاء والهرمونات. تمنيت من أختي وزميلتي الصديقة الكاتبة سحر أبوشاهين أن تعيد ترتيب أفكارها من خلال استشارة أصحاب الخبرة من الأطباء والمحللين النفسيين والاجتماعيين وأصحاب الشأن في إيجاد خطط وأساليب واعية لمساعدة البدناء في التخلص من سمنتهم. وكان الأحرى بها أيضا أن تناقش أهمية وجود طرق آمنة مخصصة للمشاة ولمن يرغب في ممارسة الرياضة في الشوارع العامة والحدائق والكورنيشات. وكذلك مناقشة خطوط المشاة والممرات الآمنة في الطرق والشوارع العامة سواء بين البيوت أو بالقرب من المدارس والمساجد ومنشآت الأعمال، بعيدا عن المتهورين. كان حريا بها أيضا أن تناقش وجود ممرات خاصة في المدارس والدوائر الحكومية والأماكن العامة لذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة. تمنيت من الكاتبة أن تناقش حاجات الناس والمشاكل الاجتماعية العامة في البيت والمدرسة والشارع، كانجراف الشباب ونزوعهم للعنف، وخصوصا العنف بين الأزواج بكل أنواعه وأشكاله سواء كان لفظيا أو غير لفظي.