نمر السحيمي

مؤسسة الشباب والانفتاح على العالم

الاثنين - 20 ديسمبر 2021

Mon - 20 Dec 2021

تحدثت في مقالات سابقة عن تأييد الإسلام للانفتاح على العالم والتعايش مع الآخر، وعلى هذا الأساس نهجت المملكة هذا النهج في بناء مستقبل منفتح على العالم من خلال رؤيتها 2030، والابتعاد عن الانغلاق السلبي الذي لا يُحقّق الهدف من نشر سماحة ووسطية الإسلام الذي جاء للعالم أجمع.

فما نوع هذا الانفتاح؟ وما هي ملامح تطبيقاته الواقعية حاليا في برامج ومشاريع المؤسسات والجمعيات المتخصصة في رعاية الشباب بالمملكة؟

قبل الإجابة على هذه التساؤلات لا بد من تمهيد يبين أن الانفتاح على العالم لا يعني الانسلاخ من القواعد الأساسية للإنسان؛ ومن تلك القواعد: العقيدة والعبادة الموقوفة والأخلاق والمعاملات وهي مجالات الإسلام الأربعة المعروفة، ومن هذه القواعد يتبيّن أن الانفتاح على العالم له ضوابط تؤكد الالتزام بالنهج الوسطي بلا إفراط ولا تفريط؛ وذلك يتطلب تفعيل الوسط أو الوسطية بين التيارين الأزليين: الإفراط والتفريط؛ وهما تياران موجودان في كل مجتمع وفي كل زمان وفي كل دين وملة ومذهب.

أعود إلى نوع هذا الانفتاح وأقول إنه انفتاح طبيعي حتى يتحقق التقارب مع البشر وتسكن قلوبهم لسماحة الإسلام ووسطيته، ليُقدِّم المسلمون بالمخالطة ما يستطيعون من سماحة دينهم الحق والتعريف بوسطيته.

ويتساءل البعض هل الانفتاح يكون من خلال (الآداب والفنون)؟ وأقول: نعم؛ حتى تُكسر الوحشة التي تسبّب بها تيار الإفراط عبر القرون الأربعة الماضية، ثم سيرتقي التعايش بعد ذلك إلى تقسيمات أكثر فائدة وأقل ضجيجا.

ما سبق ربما يكون مألوفا؛ لكن الأهم من ذلك هو دراسة ملامح تطبيقات برامج الانفتاح الواقعية حاليا؛ فإذا نظرنا إلى كون هذه البرامج (فعل) فلا بد أن يكون لها ردة فعل؛ وهو ما نشاهده اليوم من ردود فعل تتداولها أصوات تياري الإفراط والتفريط، بينما لا يوجد أي ظهور لصوت الوسط أو الوسطية في هذا التفاعل ميدانيا إلا نادرا.

هذا الواقع يجعلنا نتساءل عن دور المؤسسات والجمعيات المتخصصة في رعاية الشباب بالمملكة، أين هي من هذا الميدان؟ فهي

المعنية بنشر الوسطية في برامج ومشاريع الانفتاح، وهي التي تملك الأدوات التي تضبط هذا الانفتاح في ميادينه المعنية بالشباب كفئة مهمة في أي مجتمع.

ما أراه بكل شفافية هو ترنح تلك المؤسسات والجمعيات تارة إلى هؤلاء وتارة إلى هؤلاء، وهذا الترنّح المعيب يؤكد عدم تفعيل النهج الوسطي المعتدل لقيادة برامج ومشاريع الانفتاح حتى الآن، وهي دعوة صادقة من القلب إلى من تعنيه هذه المرحلة الحسّاسة من مراحل التحول الوطني نحو رؤية المملكة 2030، وذلك قبل هيمنة أحد تياري التطرف: الإفراط أو التفريط أو كلاهما، فيتم بهذه الهيمنة تشويه صورة الانفتاح الإيجابي.

ومنعا لتلك الهيمنة المعيبة فلابد أن يتم تفعيل النهج الوسطي أو الوسطية أو بمعنى أوضح رسم خارطة طريق وسطي من خلال تعديل مسار المؤسسات والجمعيات القائمة على موضوع الانفتاح الآن، أو إنشاء المزيد من المؤسسات والجمعيات التي تضبط مسار الانفتاح الإيجابي على العالم؛ وبالتالي تقف هذه المؤسسات والجمعيات بالوسط بين الإفراط المتشدد والتفريط المُتهاون؛ ليكون (صوت الوسط) أو (الوسطية) الذي يدعو إليه ديننا وتنتهجه بلادنا (هو الصوت) الذي يعلو كل صوت، وبهذا سيكون انفتاح بلادنا على العالم أمرا مُفيدا لنا ولمجتمعنا ولبلادنا وللعالم أجمع.

alsuhaimi_ksa@