قصة الترجمة الحديثة
الاثنين - 20 ديسمبر 2021
Mon - 20 Dec 2021
كنا في الماضي نستجدي المؤسسات العلمية في الدول العربية أن تعلي من شأن الترجمة وتجعلها أحد أولويتها، وألا تجعل من الكتاب الأجنبي بلغته الأصلية سيدا في المناهج والمقررات. واستشهد المناصرون لهذا الرأي بألمانيا واليابان بأنهما يعلّمون العلم بلغتهما الأصلية، ومع هذا؛ فهذه الدول تزاحم في الصفوف الأولى في الدول المتقدمة، ولم تكن ثمة استجابة، بسبب (في رأيي الشخصي) أن ثمة هزيمة نفسية أمام اللغات الأجنبية لدى المتعلم العربي، لكن ثمة حدث ليس بجديد ومن خلاله يمكن استشراف المستقبل للغة الترجمة، إذ اقتحمت الترجمة الالكترونية مستخدمة الذكاء الاصطناعي، والتطوير (عبر المساهمة بالاستخدام) غير المؤسسي في تطوير الترجمة بشكل رائع جدا؛ ففي السابق كانت الترجمة الالكترونية مضحكة وسطحية، لكنها الآن بفضل الذكاء الالكتروني وغيرها من التقنيات صارت مفهومة وواضحة، وتعطي نتائج مقبولة للغاية، خاصة الصوتي منه، وتتخلف الترجمة العلمية والأدبية والشعرية عن الكلام العادي؛ لكن ربما في طريقها للحل من خلال خوارزميات محددة قد تصل للمعنى العلمي والأدبي بدقة بدون الاستعانة بالإنسان.
طبعا لم يكن هدف تلك المساهمات الغربية في الترجمة هو خدمة الإنسان غير الناطق بلغتهم، بل كان الهدف الجلي الواضح هو الاعتماد على تقنياتهم وجعلها المبادِرة في الصدارة من جهة، وترويجا تجاريا للمنتجات التي يملكونها من جهة أخرى؛ بفضل إضافة ميزة نسبية على منتجاتهم مقارنة بالمنتجات الأخرى وهدفها الكسب المادي بشكل واضح، أما على المستوى الثقافي فسيأتي حتما معه!
وعطفا على هذه المقدمة سوف يتوقف الكثير من دعاة الترجمة عن دعوة المؤسسات المحلية والإقليمية والمراكز الأكاديمية للترجمة لأننا إن استشرفنا المستقبل سنقول: إن خطى التقنية بعد أن تمكنت نسبيا من المنطوق، ستتمكن من المكتوب أيضا فلم يبق إلا بعض الصيغ التي يمكن الترجمة تلقائيا مثل ترجمة ملفات (PDF) بشكل تلقائي ومع الممارسات الفنية والمستمرة وبفضل اتفاقية التحسين بمساهمة المستخدمين واقتراحات الترجمة واعتمادها والذكاء الاصطناعي سوف تتطور هذه التقنية.
وسنتخيل الوضع كالآتي، كل ما عليك أن تطلب كتابا علميا أو ثقافيا وتقوم بشرائه بصيغة الكترونية، وتطلب في قائمة طلبات الشراء اللغات المقترحة للترجمة كمرافقة للنص الأصلي، وتقوم الأجهزة اللوحية والكتب الالكترونية بتقديم نسختين لك، النسخة الأصلية بالنص الإنجليزي وأخرى بالترجمة للغتك الأم، وسوف يمر عليك بعض الصيغ والجمل غير المنطقية وسيطلب منك الجهاز التصحيح كمقترح، حتى إذا صححت تقوم الأجهزة بتجميع تلك التصحيحيات وفق خوارزميات محددة سيتم انتخاب الصيغ الصحيحة بفضل ميل المستخدمين إليها، وبهذه الطريقة ستتطور الترجمة، ليس من أجلك أو من أجل العلم وتيسيره للعالم بل من أجل: بيع الكتاب، وتسويق الجهاز اللوحي وتسويق تطبيقات الترجمة وأدواتها المرافقة مثل الصور والملحقات الأخرى، والهدف الخفي الظاهر هو استلاب ثقافي يأتي بشكل مقصود أو غير مقصود.
وبذلك لن نحتاج لمراكز ترجمة تقدم لنا الكتاب وفق ثقافتنا ومقاصدنا، ووفق ما نحتاج، بل وفق ما يطرح لنا لأن «الجود من الموجود» والجود هنا جاء من قبل التقنية الغربية، أما الموجود فهو ما يتم اختياره لنا وفق صيغهم الثقافية. بل ويمكنك عزيزي القارئ أن تتخيل أكثر، مستقبل التقنية في الترجمة وكيف سيكون شكلها وأن العالم كله سيصبح عبارة عن لغة واحدة مترجمة تتحسن باستمرار، حتى يصبح العالم قرية لغوية صغيرة، وتصبح دعواتنا للترجمة للتاريخ فقط. بقي أن نبحث في قضية أخرى، هل إن ترجمنا تحكمنا بالمنتج، فمنعنا الاستلاب والهزيمة الثقافية أم أن الوعي الداخلي كفيل بحمايتنا؟!
Halemalbaarrak@
طبعا لم يكن هدف تلك المساهمات الغربية في الترجمة هو خدمة الإنسان غير الناطق بلغتهم، بل كان الهدف الجلي الواضح هو الاعتماد على تقنياتهم وجعلها المبادِرة في الصدارة من جهة، وترويجا تجاريا للمنتجات التي يملكونها من جهة أخرى؛ بفضل إضافة ميزة نسبية على منتجاتهم مقارنة بالمنتجات الأخرى وهدفها الكسب المادي بشكل واضح، أما على المستوى الثقافي فسيأتي حتما معه!
وعطفا على هذه المقدمة سوف يتوقف الكثير من دعاة الترجمة عن دعوة المؤسسات المحلية والإقليمية والمراكز الأكاديمية للترجمة لأننا إن استشرفنا المستقبل سنقول: إن خطى التقنية بعد أن تمكنت نسبيا من المنطوق، ستتمكن من المكتوب أيضا فلم يبق إلا بعض الصيغ التي يمكن الترجمة تلقائيا مثل ترجمة ملفات (PDF) بشكل تلقائي ومع الممارسات الفنية والمستمرة وبفضل اتفاقية التحسين بمساهمة المستخدمين واقتراحات الترجمة واعتمادها والذكاء الاصطناعي سوف تتطور هذه التقنية.
وسنتخيل الوضع كالآتي، كل ما عليك أن تطلب كتابا علميا أو ثقافيا وتقوم بشرائه بصيغة الكترونية، وتطلب في قائمة طلبات الشراء اللغات المقترحة للترجمة كمرافقة للنص الأصلي، وتقوم الأجهزة اللوحية والكتب الالكترونية بتقديم نسختين لك، النسخة الأصلية بالنص الإنجليزي وأخرى بالترجمة للغتك الأم، وسوف يمر عليك بعض الصيغ والجمل غير المنطقية وسيطلب منك الجهاز التصحيح كمقترح، حتى إذا صححت تقوم الأجهزة بتجميع تلك التصحيحيات وفق خوارزميات محددة سيتم انتخاب الصيغ الصحيحة بفضل ميل المستخدمين إليها، وبهذه الطريقة ستتطور الترجمة، ليس من أجلك أو من أجل العلم وتيسيره للعالم بل من أجل: بيع الكتاب، وتسويق الجهاز اللوحي وتسويق تطبيقات الترجمة وأدواتها المرافقة مثل الصور والملحقات الأخرى، والهدف الخفي الظاهر هو استلاب ثقافي يأتي بشكل مقصود أو غير مقصود.
وبذلك لن نحتاج لمراكز ترجمة تقدم لنا الكتاب وفق ثقافتنا ومقاصدنا، ووفق ما نحتاج، بل وفق ما يطرح لنا لأن «الجود من الموجود» والجود هنا جاء من قبل التقنية الغربية، أما الموجود فهو ما يتم اختياره لنا وفق صيغهم الثقافية. بل ويمكنك عزيزي القارئ أن تتخيل أكثر، مستقبل التقنية في الترجمة وكيف سيكون شكلها وأن العالم كله سيصبح عبارة عن لغة واحدة مترجمة تتحسن باستمرار، حتى يصبح العالم قرية لغوية صغيرة، وتصبح دعواتنا للترجمة للتاريخ فقط. بقي أن نبحث في قضية أخرى، هل إن ترجمنا تحكمنا بالمنتج، فمنعنا الاستلاب والهزيمة الثقافية أم أن الوعي الداخلي كفيل بحمايتنا؟!
Halemalbaarrak@