السعوديون محقون في التحذير من انهيار إمدادات البترول

لن تختفي حاجة العالم إلى بترول بأسعار معقولة في أي وقت قريب.. إذا لم يرتفع الإنتاج فذلك لا يبشر بالخير لأي أحد منا
لن تختفي حاجة العالم إلى بترول بأسعار معقولة في أي وقت قريب.. إذا لم يرتفع الإنتاج فذلك لا يبشر بالخير لأي أحد منا

الاحد - 19 ديسمبر 2021

Sun - 19 Dec 2021

هذا لن يكسبني أي أصدقاء في اللوبي الأخضر، لكن وزير البترول السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان محق في التحذير من أزمة طاقة محتملة ناتجة عن انخفاض الاستثمارات في أنواع الوقود الأحفوري. إليكم السبب.

حذر الأمير أن إنتاج البترول على مستوى العالم قد ينخفض بمقدار 30 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية العقد لأنه ما ينفق على استكشاف وتطوير موارد جديدة ليس فيه الكفاية، وهذا يعني إنتاجا أقل من 70 مليون برميل يوميًا.

بالطبع الأمير يتحدث من منطلق مصلحته الخاصة. المملكة تضم احتياطيات هائلة من البترول تحت رمالها، وتحت المياه الضحلة للخليج العربي، وتريد أن ترى سوقا صحية لذلك البترول في السنوات المقبلة.

ولكن تحذيره لم يكن كله لمصلحة شخصية. موارد البترول الغنية في السعودية ليست مفتوحة للمستثمرين الأجانب، لذلك دعوته إلى زيادة الاستثمارات تهدف في الواقع إلى تشجيع التنافس مع المملكة.

وهذا بمثابة اعتراف بشيئين، أولهما: أن حاجة العالم إلى بترول بأسعار معقولة لن تزول في أي وقت قريب، وثانيهما: أنه بالرغم من احتياطيها من البترول، فإن المملكة لا تستطيع لوحدها إمداد كل ذلك البترول الذي سيحتاجه العالم.

حتى وكالة الطاقة الدولية، التي نقل عنها خطأ بأنها تدعو إلى إنهاء مشروعات تطوير البترول الجديدة، تتوقع أن يظل الطلب على البترول مقاربًا لمستويات ما قبل الجائحة بحلول 2030.

بترول أكثر:

تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن الطلب سيكون مختلفا اختلافا طفيفا عن مستويات ما قبل الجائحة بحلول 2030.

حتى مع السياسات البيئية التي أُعلن عنها قبل مؤتمر التغير المناخي (كوب26) في نوفمبر، توقعت الوكالة أن يكون الطلب في عام 2030 أقل من مستويات ما قبل الجائحة بمقدار 500 ألف برميل يوميًا، أي أقل بنسبة 0.5%. في سيناريو الوكالة "التنمية المستدامة" الذي يرى الاقتصادات المتقدمة تصل الحياد الصفري بحلول 2050، والصين بحلول 2060 تقريبا، وباقي الدول الأخرى بحلول 2070 على أقصى تقدير، فإن الانخفاض بحلول العقد الحالي يتوقع أن يكون 9 ملايين برميل يوميا فقط، أي بنسبة 9%. هذا سيترك العالم بحاجة حوالي 90 مليون برميل يوميًا بحلول 2030، أي عجز في الإمداد بمقدار 21 مليون برميل يوميًا، وهو أكثر مما استهلكته أمريكا في عام 2019، وفقا لسمو الوزير.

لذلك إذا كان الأمير محقًا، فنحن مقبلون على وقت عصيب. ولكن هل هو محق؟ هل تأثر المستثمرون بضغوط الناشطين البيئيين أو خافوهم إلى الحد الذي يمنعهم من الاستثمار في مشاريع إنتاج البترول الجديدة؟

تستثمر المملكة، التي تملك أكبر احتياطيات البترول في العالم، لرفع إنتاجها، لكنها تخطط لإضافة مليون برميل يوميًا فقط في السنوات القليلة القادمة. تستثمر دول أخرى في الشرق الأوسط مثل الإمارات والكويت والعراق لرفع طاقتها الإنتاجية أيضا. روسيا لديها خطط كبيرة لبرية القطب الشمالي المتجمد، لكن ذلك مكان ناء عسير، أحد أسوأ الأماكن التي يمكن تخيلها -من ناحية بيئية- للاستثمار في التنقيب عن البترول.

هناك مشاريع كبيرة قيد التطوير في مناطق مثل: كازاخستان، وأذربيجان، والبرازيل، سترفع من الإنتاج قبل نهاية العقد. لكن مع هبوط الإنتاج من كافة الحقول المنتجة حاليا بمتوسط يتراوح بين 4% و 8% سنويًا وفقا للتقديرات التي تأخذ بها، فإنك بحاجة إلى استثمار كبير فقط لتبقى مكانك.

نمو بطيء

يتوقع أن يظل إنتاج البترول الأمريكي أقل من أعلى مستوياته في فترة ما قبل الجائحة بحلول نهاية 2022.

في الوقت ذاته، الإنتاج في أمريكا، الذي كان يرى في وقت سابق على أنه مفسد لنمو إنتاج أوبك المستقبلي، يرتفع ببطء. وما زال متوقعا أن يكون الإنتاج الأمريكي بحلول نهاية العام المقبل أقل من مستويات ما قبل الجائحة بـ 760 ألف برميل يوميًا. الأيام المبهجة لطفرتي البترول الصخري الأولى والثانية قد ولت.

هبط الإنفاق العالمي على مشاريع البترول والغاز بنسبة 30% ليصل إلى 309 مليار دولار في عام 2020 وتعافى بنسبة يسيرة هذا العام. يحتاج أن يعود إلى ما يقارب مستويات ما قبل الجائحة التي كانت 525 مليار دولار سنويا لما تبقى من العقد لتلبية نمو الطلب، وفقًا لمركز الأبحاث الذي مقره الرياض منتدى الطاقة الدولي، وشركة IHS Markit الاستشارية.

شركات البترول الغربية الكبرى، مثل "رويال دتش شيل" و "بريتيش بتروليوم" و "توتال إنيرجيز" تركز بتزايد استثماراتها على الغاز الطبيعي وأنواع الطاقة المتجددة على حساب البترول. من المتوقع أن تنتج شركة بريتيش بتروليوم -على سبيل المثال- بترولا في عام 2022 أكثر من إنتاجها لهذا العام، لكن الإنتاج ما زال متوقعًا أن يكون أقل بنسبة 6.5%. من ذروة إنتاجها في عام 2017.

هذه هي الشركات الأكثر قدرة على الوفاء بالالتزامات البيئية. إن لم تسد هذه الشركات الفجوة بين الطلب المرتفع والإنتاج المنخفض، فمن المرجح أن الشركات الأخرى التي يصعب ضبط أدائها البيئي ستقوم بذلك. أُفضّل أن أرى شركة شيل تستثمر في حقل كامبو للبترول في بحر الشمال -على سبيل المثال- بدلًا من أن أرى شركة روسنفت تدمر غابات التندرا في شبه جزيرة تايميار، لأن من الأسهل محاسبة الأولى.

لم يكن الأمير عبدالعزيز الوحيد في تحذيره. قالت وكالة الطاقة الدولية شيئا مشابها جدا، لكن بدون أرقام، في توقعات الطاقة العالمية المنشورة في أكتوبر:

"إن عدم وجود حاجة إلى حقول البترول والغاز الجديدة في سيناريو الحياد الصفري بحلول 2050 لا يعني أن الحد من الاستثمار في الحقول الجديدة سيؤدي إلى مخرجات تحول الطاقة في هذا السيناريو. إذا ظل الطلب في مستويات أعلى، سينتج عن ذلك ضيق في الإمدادات في السنوات القادمة، مما سيرفع مخاطر زيادة الأسعار وكثرة تقلباتها".

نتجاهل تلك التحذيرات على مسؤوليتنا. قد يبدو انخفاض الإنتاج بمقدار 30 مليون يوميًا انتصارًا لذوي النظرة القاصرة من الناشطين البيئيين، ولكن دون انخفاض في الطلب مصاحب، سيأتي ذلك بثمن فوق طاقة أي منا، وهو أسعار بترول بمستويات لم يسبق تخيلها.