ياسر عمر سندي

المعنى في نفس الشاعر

الأربعاء - 15 ديسمبر 2021

Wed - 15 Dec 2021

علم النفس تخصص يلامس الجوانب الإنسانية ويحاول الدخول إلى المشاعر؛ هدفه الأسمى استقراء ما وراء الشخصية ليجعلها تشعر بالاتساق والاتفاق بين ما هو ظاهر وما هو باطن في السلوكيات اللفظية والفعلية والإيمائية لمواجهة الواقع مع الذات أولا ومن ثم مع الأشخاص والمواقف في البيئة المجتمعية المحيطة.

من الطبيعي أن يشعر الإنسان في نفسه بشيء من التراخي أو عدم الاتزان جراء ما يطرأ عليه من أمور الحياة ومكابدة الدنيا؛ وربما ينعكس ذلك عليه من خلال ردات فعل نفسية تجعله يفقد نقطة الوصول إلى التصالح النفسي الأمر الذي أدى إلى بزوغ فكرة ما يسمى بـ»العلاج بالمعنى» Logo Therapy.

هذا العلاج هو أسلوب يؤدي إلى جودة الحياة بهدف العيش بسلام والتزام لإيجاد قيمة للإنسان من خلال نظرته الشاملة التي تصنع منه فردا مهيئا وقابلا للتغير والتغيير كونه العنصر الفاعل والمؤثر فيها من الناحية العلمية والعملية والتجارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

عندما نفسر المعنى الحقيقي لسبب وجودنا في الحياة نستطيع أن نربط ذلك المعنى بالواقع ونقيس ما كنا عليه في الماضي وما نحن عليه حاليا وما المفترض أن نكون عليه مستقبلا، ويسمى ذلك قياس الفجوة الذاتية Self Gap Analysis لتعزيز السلوكيات وتطويرها.

فهم المعنى يساعد على تنمية الشخصية ويحميها من الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والوسواس والقلق والنظرة الدونية للذات؛ وتحويل الأشخاص إلى منتجين برفع الصورة الذهنية الذاتية وإيضاح معناها الحقيقي لفهم الحياة والبحث عن مباهجها.

من وجهة نظري النفسية والمعرفية أرى أن منهجية إعطاء المعنى الواقعي للحياة وما يحدث فيها يتطلب استحضارا لعدة مفاهيم أعتبرها ركائز ذات قيمة عالية يتم تحليلها من قبل الشخص ذاته بشرط أن يكون واعيا ومستبصرا أو أن يتدخل من يقوم بمساعدته لتوعيته وإيقاظه مثل المعالج النفسي الذي سيقوده إلى خانة الإفاقة، ليفسر حياته من الاستيعاب بالمعنى الصحيح الذي سيعيده إلى أصل الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وهذه المفاهيم أجدها تؤثر إلى حد كبير وهي على النحو الآتي:

  • مفهوم «ولا تنس نصيبك من الدنيا»، وهو استحضار عميق للآية الكريمة وما تعكسه من فوائد عظيمة لديمومة العمل الديني والدنيوي لتحقيق معنى الاستخلاف الرباني لبني البشر في إعمار الأرض.

  • مفهوم «ولقد خلقنا الإنسان في كبد»، فمنذ أن خلق الله آدم عليه السلام تزامن مع خلقه معايشة المشاكل وما يعكر صفو النفس وهذه الفطرة تداوم على مقاومة الإنسان لكل ما يعتريه من معاناة نفسية وجسمية ومجتمعية ودينية ودنيوية حتى يتثبت ويكسب بموجب ذلك الأجر.

  • مفهوم «ولقد كرمنا بني آدم»، هذه الآية العظيمة تجسد العزة والمنعة والأفضلية للنفس البشرية لتعطيها المعنى الحقيقي للكرامة الإنسانية التي بموجبها يجد الإنسان قيمته على سائر المخلوقات لأن الخالق مكنه من ذلك التكريم.

  • مفهوم «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب»، الإيمان الداخلي بأن تحقيق مبدأ التقوى مطلوب لراحة النفس واستقامة السلوك وبالتالي تحقق الرزق العام والتام بزيادة المال واستقرار الحال وصلاح النفس والعيال.

  • مفهوم «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، هذه القوة منبعها النفس والتي تعكس قوة البدن أيضا بطرد الكسل والعمل بأمل.


هذه المفاهيم تمثل المعنى المتجدد الذي يساعد الإنسان على دفع عجلة حياته للإنجاز المستدام؛ مثلما الوقود يحترق لتتحرك المركبة وعندما ينضب وقودها يحتاج الخزان لإعادة التعبئة لتمضي المركبة وتتقدم في طريقها حتى تصل إلى غايتها.

@Yos123Omar