شاهر النهاري

الحلاق التركي وفوائد الانقلاب

الجمعة - 05 أغسطس 2016

Fri - 05 Aug 2016

اسمه رجب، وهو حلاق تركي يعمل في صالون حلاقة قريب من منزلي منذ سنوات، وكنت في أغلب الأحوال أستحسن المرور عليه للحلاقة، وإن وجدته مشغولا جلست على كرسي زميل له ليقص شعرات رأسي، على الناشف، وحتى لو كان مقصه لا يزال تحت التدريب.



وكان رجب الحلاق بشوشا مؤدبا لا تسمع له صوتا، ولا يبادر بالأسئلة المزعجة، التي يبدع في طرحها الحلاقون الآخرون.



ومنذ فترة بسيطة، وجدت أن شعبية رجب تبلغ السماء، وأن زملاءه الحلاقين يعانون من رفض زبائنه الجلوس على كراسيهم، ومهما طال بهم الانتظار!.



عجبت من التغيير، ومن نوعية زبائنه الشباب، والقادمين من أطراف المدينة، وكيف أن بعضهم ينتظر طويلا، فقط للحديث مع رجب، أثناء تأديته لعمله، وأخذ صور سلفي، وسنابات معه!.



وجلست بالأمس على كرسي حلاق زميل له، ونظرت لعينه، التي تخفي حسرة، وسألته عن سبب تنامي شعبية رجب، فابتسم بتشويق، وألمح إلى الشبه العظيم؟.



فتعجبت، وسمرت عيني على وجه رجب، ولم أحزر عن شبه من كان يتكلم، فهمس الحلاق في أذني باسم إردوغان!.



فتبسمت، وطلبت منه التوضيح أكثر، فأخبرني أنه وبعد فشل الانقلاب التركي الأخير على الرئيس التركي، زادت شعبية رجب الحلاق، بسبب الشبه العظيم بالرئيس المظفر، ولو أنه هو كحلاق تركي لم يكن يفهم في السياسة، ولا في متطلبات سدة الحكم، ولكنه وجد نفسه فجأة نجما بين مرتادي المحل المتحمسين، ممن نشروا له دعايات بينهم، وقرروا دعمه، بل إن البعض منهم كانوا يتباركون بكلمة من فمه، ولمسة من أنامله، وقصة من مقصه، وكانوا يستفتونه فيما حدث، فيضطر لمماشاة الجو، والحديث بنوع من الحزم، والفلسفة، والتقمص، والحماس الديني، وكأنه هو إردوغان، مما زاد من حماس الزبائن، والزعامة هبة ربانية، وحتى وإن لم تكن حلاقته سبب محبتهم، ولكن التوافق في الأفكار، والمعتقد، وكره نفس الأعداء، والتمسك بنفس القيم ترفع قدر أمشاطه ومقصاته، حتى إن أجرته أصبحت مضاعفة، ودون أن يشترط!.



وتعجبت كثيرا، وهو يزيد من حكايات العجب، بأن رجب الحلاق كان قد تضرر شخصيا مما فعله إردوغان بعد فشل الانقلاب، فقد اقتاد ثلاثة من أقاربه للسجن، كان أحدهم شقيقه الأكبر، والذي كان يعمل قاضيا؛ ورغم ذلك فهو ينكر الواقعة، ولا يذكرها لزبائنه، وينافق لإظهار الانقلاب بروح السماحة والحق والعدالة والتنمية، وأن كل من يناهضها مارق يستحق الموت، وكل ذلك ليضمن بقاء خيرات زبائنه، واستمرار رضاهم عنه، وإجلالهم له، بطريقة فيها الكثير من القدسية.



أملت رأسي، وأصخت السمع لما كان يقوله الحلاق رجب لزبائنه، فوجدت أنه فعلا يتقمص شخصية زعيم الأمة الإسلامية المنتظر، وأنه كان يحكي عن خططه المستقبلية، ويهدد العلمانيين، ويعيب أخلاق طالبي الحرية، ويسيء للديمقراطية، ويؤكد على عودة الخلافة العثمانية، وأنه قريبا سيجعل أوروبا وأمريكا وروسيا تركع تحت قدميه، ليشذب شعرات مبادئها بحد مقصه.



حقيقة إني ضحكت بصوت عال، فنظر إلي زبائنه نظرة استنكار، مقرونة بالاحتقار، وكأنني أنا من قمت بسحب عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك من مناصبهم، لأزج بهم في السجون.

فسبحان الله، كيف أنه حتى الحلاقة، سشوروها بالسياسة، وصبغوها بالتعصب الديني.