نمر السحيمي

كيف نواجه اختراق المؤدلجين لمؤسساتنا؟

الاثنين - 13 ديسمبر 2021

Mon - 13 Dec 2021

يعدُّ اختراق المؤسسات الرسمية أو وصول المؤدلجين فكريا للمناصب القيادية في تلك المؤسسات من أخطر ما تتعرض له الدول ذات الأنظمة التي لا تضبط اختيار أصحاب القرار العاملين في حكوماتها وخاصة في مؤسساتها العلمية والفكرية.

وفي الإسلام وعبر تاريخ القرون الإسلامية المتعاقبة يعدّ (وصول) المؤدلجين فكريا المخالفين (نهج سلف الأمة الصالح) إلى المناصب القيادية من أكثر الأسباب التي خلقت المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتسببت في تشتت المجتمعات وفرقتها.

ومن خلال البحث والتقصي حول ما وضعه المسلمون من ضوابط تحكم اختيار الكفؤ للمسؤوليات القيادية في الأمة نجد أن المسلمين استندوا على حديثين هما:

الأول قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر»، هذا الحديث علّق عليه الحافظ ابن حجر بقوله: «الحديث استنكره المزني فيما حكاه ابن كثير عنه في أدلة التنبيه، وقال النسائي في سننه باب الحكم بالظاهر ثم أورد حديث أم سلمة الذي قبله وقد ثبت في تخريج أحاديث المنهاج للبيضاوي سبب وقوع الوهم من الفقهاء في جعلهم هذا حديثا مرفوعا وأن الشافعي قال في كلام له: وقد أمر الله نبيه أن يحكم بالظاهر والله يتولي السرائر، وكذا قال ابن عبدالبر في التمهيد: أجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر وأن أمر السرائر إلى الله، وأغرب إسماعيل الجنزوي في كتابه إدارة الأحكام فقال إن هذا الحديث ورد في قصة الكندي والحضرمي اللذين اختصما في الأرض فقال المقضي عليه قضيت علي والحق لي فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما أقضي بالظاهر والله يتولى السرائر».

وثانيهما حديث عمر «إنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم» (أخرجه البخاري)، ومثله حديث أبي سعيد «إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس» وهو في الصحيح، وقال الشوكاني عن هذا الحديث: «وهو وإن لم يثبت من وجه معتبر فله شواهد متفق على صحتها، ومن أعظم اعتبارات الظاهر ما كان منه صلى الله عليه وسلم مع المنافقين من التعاطي والمعاملة بما يقتضيه ظاهر الحال».

فما هي إجراءات هذا التعاطي وطريقة تلك المعاملة التي تضمن سلامة المناصب القيادية في الأمة من المخترقين أو المتسللين المؤدلجين فكريا المخالفين لنهج وطريقة سلف الأمة الصالح؟، وما هو هذا الظاهر الذي يُحكم به حين الاختيار من الناس للمسؤوليات القيادية؟ وكيف يكشف المخترق أو المتسلل بعد اختياره؟

وللإجابة على هذه التساؤلات فلابد من العودة للحديثين السابقين فالأول فيما ظهر لي هو في شأن التقاضي خاصة، أما الثاني فهو في الشأن العام؛ ومنه المجال السياسي؛ الذي تنبثق منه المناصب القيادية التي تكتمل بها أعمال الولاية العامة في الحكم وتُعين ولي الأمر على مهامه الجسام في صناعة المواطن الصالح.

والمستفاد من الحديثين هو أن الوحي في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- هو من هتك ستر المنافقين وعَرّف بهم وكشف خفايا صدورهم؛ وبالتالي تم الحذر منهم وإبعادهم عن المناصب القيادية في الأمة في العهد النبوي، وبعد انقطاع الوحي بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- وُكِّلت السرائر إلى الله، وبقي التعاطي والمعاملة في الاختيار بما يقتضيه ظاهر الحال.

وسأبين فيما يأتي بعض التصرفات التي ينكشف بها ظاهر الحال للمخترق أو المتسلل المؤدلج فكريا قبل وصوله لكرسي المسؤولية وبعده:

أولا: قبل وصوله للمسؤولية؛ فبالنظر لدول العالم المتقدمة فإن معايير الاختيار للمسؤولين في المؤسسات الرسمية القيادية (سهلة) إذا تم معرفة الانتماء الحزبي للفرد أو الانتماء الفكري للفرد المحايد أو الحر من التقييد الحزبي، وكون بلادنا ذات (مجتمع واحد) لا يتجزَّأ بالأحزاب فإن معايير الاختيار عندنا (صعبة للغاية)، ولا يكفي أن يتم النظر في بيئة الفرد أو سيرته للحكم على سلامة نهجه وموافقته للنهج الرشيد؛ ما يدعونا للرجوع إلى خطوات النظر في ظاهر حاله وأخذ النسبة الأكثر التي تؤيد قبوله أو رفضه.

ثانيا: بعد وصوله للمسؤولية، وهنا فإن ظاهر الحال سيكشف عن المخترف أو المتسلل من خلال طريقين هما:

1 - من خلال تطبيق الأنظمة:

ويعرف ظاهر حال المخترق أو المتسلل من هذه الحيثية من عدة تصرفات منها:

- التهاون في تطبيق الأنظمة.

- تفسيرها تفسيرا خاطئا.

- عدم المشاركة في تسديدها وتقييمها.

- تطبيق بعضها وترك الآخر كالأخذ بالحد الأعلى دائما في العقوبات.

- استخدامها في الإضرار بالخصم والأخذ بها أوتركها للمصالح الشخصية.

- إثارة الرأي العام بالإعلان الخاطئ عن بعض تفاصيلها وترك التفاصيل المبينة للحقيقة.

- السكوت عن إظهار تفاصيل النظام وتَقصُّد جعله مشوبا بالغموض.

- التركيز على الجوانب التي تخيف الناس وتقلقهم في النظام وتخلق التشويش والتذمر في نفوسهم.

هذه التصرفات وغيرها هي كفيلة بمعرفة ظاهر حال المخترق أو المتسلل لكراسي المسؤولية بعد وصوله؛ ورصد هذه التصرفات لا شك يحتاج إلى جهات تتابع أداء المؤسسات التي تتعرض لمثل هذا التسلل ومن أهمها المؤسسات العلمية والفكرية.

2 - من خلال المواطنين:

ويعرف ظاهر حال المخترق أو المتسلل من هذه الحيثية من عدة تصرفات منها:

- القصور في إعطاء المواطنين حقوقهم النظامية التي يدعو إليها ويعمل على تحقيقها ولاة الأمر؛ كالحقوق العلمية وغيرها.

- تفضيل الوافدين وتسهيل الإجراءات التي تتعلق بهم؛ وفي المقابل تعقيد الإجراءات التي تتعلق بالمواطنين والمواطنات؛ كما يحدث في إجراءات التعاقد بالجامعات.

- محاولة خلق بيئة مجتمعية معقّدة ومشوَّشة بتعقيد الإجراءات الإدارية؛ وذلك يخالف ما توفره الدولة من تسهيل في مجالات الحوكمة والأتمتة والرقمنة.. إلخ ذات الإجراءات المتعلقة بمصالح المواطنين والمواطنات.

- التشديد على المواطنين في جوانب متعددة دون تقديم حلول لمشكلاتهم.

- عدم تشجيع الابتكار في الارتقاء بجودة الحياة ومحاولة عرقلة عجلة الأبحاث والدراسات في هذا الجانب.

- العجلة وعدم التأني في تطبيق كل ما من شأنه الإضرار بالمواطن والمواطنة أو انزعاجهم وعدم التريث في ذلك.

ويلاحظ أن التصرفات في كشف ظاهر حال المخترق أو المتسلل للمسؤولية بعد وصوله من خلال المواطنين هي تصرفات عديدة؛ ويظل قاسمها المشترك هو مخالفة المخترق أو المتسلل لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده؛ التي تهدف إلى سعادة المواطن ورفاهيته واستقراره؛ وهي توجيهات تعد مخالفتها من التصرفات التي تكشف اختراق وتسلل المخالف لكرسي المسؤولية؛ وإن أحسنا الظن لقلنا عدم صلاحية هذا المسؤول لتولي تلك المسؤولية؛ التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» رواه مسلم.

وإنني على يقين أن رؤية المملكة 2030 التي انطلق العمل في برامجها في السنتين الماضيتين لم تتجاهل مثل هذه الاختراقات والتسللات التي تهدف لضرب الوطن وعرقلة تنميته بل وضع مهندس الرؤية المباركة الحلول الضامنة لدحر العدو مهما استخدم هذا العدو لباس الدين والصلاح في الاختراق أو التسلل؛ لأن الوطن خط أحمر لن يعرقل مسيرته خفافيش الظلام ودعاة الخراب.

alsuhaimi_ksa@