فيصل الشمري

أمريكا ليست نموذجا علمانيا

السبت - 11 ديسمبر 2021

Sat - 11 Dec 2021

مع انتشار مساحات تويتر شد اهتمامي جدا بعض الحوارات الفكرية الدائرة في ذلك الفضاء بخصوص العلمانية والاستشهاد برؤية التيارات التقدمية ذات العقيدة الفكرية اليسارية دائما بالولايات المتحدة الأمريكية نموذج للعلمانية.

يقصد العديد منهم العلمانية هي فصل الدين عن الدولة بما أن الدستور الأمريكي ينص على ذلك فلا مكان للدين في السياسية ولا مكان له في كيفية الحكم. الدين مسألة خاصة وبالتالي يجب إبعادها عن السياسة أو صنع السياسة العامة.

ذلك الادعاء من التقدميين غير صحيح.

ما ينص عليه الدستور الأمريكي واضح: المادة السادسة أولا على أنه ليس من الوارد إجراء اختبار ديني لأي شخصية ترغب في شغل أي وظيفة حكومية. كما نص أول تعديل أدخل عليه ينص على أن الكونجرس لن يقوم بأي حال من الأحوال بتشريع قانون قائم على أساس ديني.

- تلك هي كلمات التعديل الأول.

علينا الأخذ في الاعتبار عند قراءة المادة السادسة من الدستور والتعديل الأول عليها فهم الواقع الزماني والاجتماعي الذي كتبت المادة السادسة من أجله والتعديل الأول عليها. المعنى الواضح لها هو أن الكونجرس ممنوع من إنشاء كنيسة وطنية (على غرار كنيسة إنجلترا)، والتعديل كان بسبب محاولة منع الكنائس القائمة التي كانت موجودة من التدخل فيها بالذات في بعض الولايات التي كان التمازج بين الكنيسة والسلطات في تلك الولايات يزداد في حالات معينة.

سوف يسأل البعض أليس الدستور الأمريكي ينص على الفصل بين الكنيسة والدولة ذلك غير صحيح بتاتا لا يوجد نص صريح. إذا بحثت في الوثيقة الدستورية لن تجد ذلك النص «فصل الكنيسة عن الدولة» لكن العبارة أخذت من رسالة كتبها أحد المؤسسين توماس جيفرسون الذي لم يكن حاضرا المؤتمر الدستوري الأول بعد سنوات موجهة للكنيسة التي يتبعها. كان جيفرسون بطريقته البليغة المميزة يحاول ببساطة التقاط روح التعديل الأول الذي يحظر إنشاء دين وطني. كان مؤلف إعلان الاستقلال ملتزما بأمريكا، حيث يتمتع الناس بحرية ممارسة أي دين أو عدم ممارسة أي دين. لم يكن أي من المؤسسين لأمريكا، بمن فيهم جيفرسون الذي كان من بين أقلهم تدينا، قد فكر في فكرة فصل الدين عن الحياة العامة أو السياسة.

إن الادعاء العلماني بأن الدستور يحدد الدين على الحياة الخاصة للأفراد يتناقض مع أقوال وأفعال أعظم الشخصيات في التاريخ الأمريكي، من جورج واشنطن، الذي دعا إلى أيام الصلاة الوطنية، ولنكولن الذي أعلن يوما وطنيا للصلاة والصوم؛ للقس الدكتور مارتن لوثر كينغ وهو رجل دين حارب الفصل العنصري والتمييز مستخدما المصطلحات والتعابير الدينية من الإنجيل. إذا كنت تعتقد بالفهم العلماني للفصل بين الكنيسة والدولة؛ فإن مارتن لوثر كينج قد انتهك هذه العقيدة في كل ما فعله تقريبا، وكذلك فعل كل رئيس في التاريخ الأمريكي عندما دعوا الرب لحماية أمريكا في خطبهم الافتتاحية. ليس مارتن لوثر كينج شاذا عن القاعدة بل هو القاعدة العامة لأهمية الدين في المعترك السياسي والحراك المجتمعي الأمريكي، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الأمريكيين الآخرين، لم يكن الظلم العنصري انتهاكا للإنسانية فحسب، بل كان أولا وقبل كل شيء انتهاكا لتعاليم الكتاب المقدس كما قال أبراهام لنكولن في حربه لإنهاء العبودية التي أدت إلى الحرب الأهلية مرارا و تكرارا في خطبه إن كل إنسان مصنوع على صورة الرب فالجميع سواسية.

هناك أنظمة علمانية خالصة في العالم مثل فرنسا، بنظامها العلماني -يجب أن يمارس الدين فقط في المجال الخاص وليس العام- وأيضا الأنظمة الشيوعية مثل الصين وكوبا وكوريا الشمالية. في مثل هذه الأنظمة، العلمانية هي الفلسفة الرسمية للدولة، والدين بها يقتصر على المجال الخاص فقط. هذا ليس وصفا دقيقا ولا ينطبق على الولايات المتحدة على الإطلاق. وكيف يمكن أن يكون؟ على الرغم من الفصل بين المؤسسات الدينية عن تلك الحكومية، إلا أن أمريكا منذ نشأتها لليوم لا تفعل ذلك لجعل الدين تابعا للدولة، بل لحمايته من الدولة. الولايات المتحدة الأمريكية في وثيقتها التأسيسية تقر بالخالق كمصدر للعدالة لجميع البشر.

«ونحن نرى أن هذه الحقائق بديهية، أن جميع البشر خلقوا متساوين، وأنهم وهبوا من خالقهم حقوقا غير قابلة للتصرف، وأن من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة». بعيدا عن كونه «علمانيا» ، يرى النظام الدستوري الأمريكي أن حقوقنا الأساسية ليست امتيازات تمنحها أي قوة بشرية فحسب؛ إنها بالأحرى عطايا من الرب نفسه. وهي «غير قابلة للتصرف» -أي لا يمكن أن تنتزعها بشكل مشروع من قبل الحكومة أو أي سلطة بشرية أخرى- على وجه التحديد؛ لأنها لم تمنحنا من قبل أي سلطة بشرية.

أعتقد الفكرة الولايات المتحدة الأمريكية دستورها وثيقة التأسيس يجب ألا تستخدم من قبل مناصري (العلمانية فصل الدين عن الدولة)؛ لأن ذلك غير صحيح، الدين منذ نشأة أمريكا لليوم لاعب محوري اجتماعيا وسياسيا وفكريا. على الرغم من الفصل بين المؤسسات الدينية عن تلك الحكومية، إلا أن أمريكا منذ نشأتها لليوم لا تفعل ذلك لجعل الدين تابعا للدولة، بل لحمايته من الدولة.

mr_alshammeri@