عمر عبدالله السعدون

«الحق في الموت» في الفكر والفلسفة الغربية

الخميس - 09 ديسمبر 2021

Thu - 09 Dec 2021

لقد اهتمت الأمم المتحدة منذ نشأتها «بحق الإنسان في الحياة»، وقد نصت كثير من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على هذا، كما جاء في نص المادتين الثانية والثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام (1948م) معلنا حماية (الحق في الحياة)، وقد اعتبر المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان بأن (الحق في الحياة) هو المنبع لكل حقوق الإنسان الأخرى، وقد عدته المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام (1966م) في فقرتها الأولى بأنه حق متأصل لكل إنسان (inherent)، حيث لم يحض أي حق آخر في الاتفاقية بهذا الوصف. وقد أكدت على هذا عدة اتفاقيات إقليمية لحقوق الإنسان مثل الاتفاقية الأوروبية والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، وغيرها من الاتفاقيات.

ولا تعجب أخي القارئ من هذه المقدمة التي تخالف وتناقص عنوان المقال، فأردت بها إثبات طبيعة الغرب ونظمه وفلسفته، فالغرب حالة كبيرة لمعرفة التناقضات على حقيقتها، فكما أن الغرب صاحب دعاوى حقوق الإنسان فهو من يهدرها، وهو الداعي للحريات وهو من يكبتها، وهو الداعي لتحريرالشعوب وهو من يستعمرها ويدمرها، وهو هنا الداعي (لحماية الحق في الحياة)، وفي المقابل على النقيض تماما هو الداعي (لحق الإنسان في الموت)، بدعم هذا المصطلح المشؤوم الذي يسمى (القتل الرحيم) وهذا المصطلح وإن كان حادثا فإن له أصوله وجذوره التاريخية في الفكر والفلسفة الغربية، فإن هذا المصطلح ينسب إلى القس الإنجليزي (بيكون)، الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، والذي كان يقول «على الأطباء أن يعملوا على إعادة الصحة إلى المرضى، وتخفيف آلامهم، ولكن إذا وجدوا أن شفاءهم لا أمل فيه؛ فيجب عليهم أن يهيئوا موتا هادئا سهلا..»، ولكلام ( بيكون) أصول في الفلسفة اليونانية القديمة، فهذا (أفلاطون) يقول في كتابه (الجمهورية) الكتاب الثالث والذي قرر فيه «إن على كل مواطن في دولة متقدمة واجبا يجب أن يقوم به؛ لأنه لا يحق لأحد أن يقضي حياته بين الأمراض والأدوية، ويجب وضع قانون مؤداه العناية بكل المواطنين الأصحاء جسميا وعقليا، أما الذين تنقصهم سلامة الأجسام؛ فيجب أن يتركوا للموت»، وهذا موافق لكلام (سقراط) وأتباعه الذين سموه «التدبير الذاتي للموت بشرف»، وهذا ما طبقه سقراط على نفسه عمليا عندما تم سجنه وكان مريضا، فجاءه تلاميذه لتهريبه من السجن، فرفض الهروب ولجأ إلى تناول السم ليحقق مبدأ الموت بشرف. وتابعهم في ذلك (توماس مور) في كتابه (الوهم utopie) بأنه على القضاة والقساوسة حث النساء على الموت، وتابعه في ذلك الفيلسوف (نيتشه).

أما على مستوى الجهود والقوانين الغربية الحديثة على سبيل المثال:

ففي عام (1922م) كانت روسيا أول دولة أوروبية تصدر قانونا لا يجرم ما يسمى بالقتل الرحيم بناء على طلب المريض، ولكنه ألغي بعد أشهر لآثاره السلبية، وفي عام (1930م) تم إنشاء الجمعية الأمريكية للقتل الرحيم، والتي تغير اسمها عام (1970م) إلى «جمعية حق الإنسان في الموت»، وفي عام (1939م) أصدر (أدولف هتلر) مرسوما يسمح بموجبه للأطباء بتصفية الأشخاص بالموت، لأولئك الذين يقرر الأطباء أن هؤلاء غير ممكن علاجهم، ولهذا قام من عام (1940م) وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية بتصفية (275 ألف) شخص، وفي عام (1982م) تأسست جمعية بريطانية لتيسير الموت وتسهيله، وتقديم المساعدات المادية والمعنوية لمن يرغب بالموت، وفي عام (1991م) نجد أن منظمة تطلق على نفسها «منظمة القتل الرحيم» قامت بإنشاء شبكة إعلامية ضخمة تنتشر بين (7) دول و(47) ولاية أمريكية وتقوم بدورتثقيف الناس بأهمية القتل الرحيم من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وأجازت عدد من الدول الغربية القتل الرحيم إما بشكل محدود، أو بشكل واسع وبجميع أشكاله كما في هولندا في قانونها عام (1999م) الذي يجيز القتل الرحيم والمساعدة على الانتحار حتى بالنسبة للأطفال ما فوق (12) سنة، وفي بلجيكا تم تسجيل (203) حالة للقتل الرحيم خلال سنة واحدة، وتشير الإحصائيات في سويسرا أن هناك (1800) حالة يطلبون المساعدة لإنهاء حياتهم سنويا في المصحات المخصصة لذلك في سويسرا.

ولهذا وجب على العالم الإسلامي والعربي من سياسيين وعلماء ومفكرين الوقوف في مواجهة الفكر والفلسفة الغربية وبيان عوارها في نظرتها المادية للإنسان الخالية من القيم والأخلاق والرحمة، وكذلك إيضاح تناقضها وخللها، وقاية للأجيال من هذا الانحطاط الفكري الغربي، وإثبات تناقضاته، مع مراعاة بيان سمو الإسلام عقيدة ومنهجا للأجيال في كل القضايا، ومنها تكريمه للإنسان التكريم الحقيقي، لأن الإسلام منهج رباني لا تناقض فيه يجمع بين مصالح الدنيوية والأخروية، لكي لا تغتر الأجيال الناشئة بالفكر والمنهج الغربي المادي مستفيدا من الآلة الإعلامية الغربية الجبارة.