أحمد بني قيس

فوبيا العين

الخميس - 09 ديسمبر 2021

Thu - 09 Dec 2021

تنتشر في مجتمعنا الكثير من التخوفات التي يغلب عليها المبالغة المفرطة، ومن بين هذه التخوفات مثلا الخوف من الحسد والإصابة بالعين، فبرغم ثبوت أن «العين حق» إلا أن التخوف المفرط منها خلق ويخلق الكثير من القلق والتوتر الذي تعيشه الكثير من البيوت والأسر عندما يتم الكشف مثلا عن صور أطفالهم أو صور مقتنياتهم أو خلافها من الأمور التي يرون في الكشف عنها أو نشرها خطرا داهما قد يسبب في نظرهم زوالها أو تعرض المعنيين بها لمآس هم في غنى عنها فتسبب هذا الفهم المبالغ فيه والتخوف المفرط في إيجاد صورة ملتبسة عند أفراد تلك الأسر عن حقيقة الإصابة بالعين وحقيقة عواقب تعرضهم لها.

فمن الملاحظ عالميا أن مثل هذا التخوف الذي نعيشه نحن فيما يتعلق بالحسد والإصابة بالعين لا وجود له عند بقية المجتمعات بحكم أن ثقافتهم تنبذ مثل هذه الأفكار ولا تتداولها أو تروج لها مما جعلهم ينشرون صور ذويهم وأطفالهم وكافة ما يتمتعون به من خيرات ونعم دون أن تتعرض هذه الخيرات والنعم في المجمل لأي ضرر قد يجعل أصحابها يندمون على نشر صورها وتداولها ومثل هذا الواقع والحقيقة الثابتة يجب أن تجعلنا نتريث كثيرا عند تبني واقع العين وجعلها السبب المباشر خلف التعرض لنكسات غير معروفة السبب، وكذلك جعلها خطرا عظيما يمنعنا من الشعور بالاطمئنان والأمن والسعادة عند ممارسة ما تمارسه الثقافات المغايرة لثقافتنا.

ولعل أبرز المظاهر التي تتبناها الثقافات الأخرى فيما يتعلق بأطفالهم؛ تنظيم مثلا مسابقات في الجمال بين هؤلاء الأطفال الذين نجد أن التنافس فيها يكون على أشده، ويشترك فيه الكثير ممن ينتمون لتلك المجتمعات دون أن يتعرض أطفالهم لسلبيات يمكن أن ترجعها تلك المجتمعات للإصابة بالحسد أو العين مما يجعلنا نتفكر في حقيقة الإصابة بالعين ومدى صواب الهالة المجتمعية الكبيرة التي تمنحها لها مجتمعاتنا، وهذا القول لا يعني بأي حال من الأحوال إنكار وجود العين أو إنكار عدم التأثر بها، وإنما فقط علينا التمسك بمنهج التوسط والاعتدال عند التعامل مع مثل هذه الأفكار وعدم الاعتماد الكلي على إرجاع سبب تعرضنا لأي سلبية تصيبنا أو تصيب ذوينا إليها.

إن الكثير من العادات المجتمعية والتخندق خلفها في بيئتنا أصبح من الواجب علينا نبذها وإدراك أن التعرض لسلبيات في حياتنا سواء كانت كبيرة أم صغيرة هي في واقع الحال أمور طبيعية يمكن لها الحدوث في أي مجتمع وعلينا فقط كمسلمين الاعتماد على ما وجهتنا إليه تعاليم ديننا الحنيف من أخذ الاحترازات الشرعية، والتوكل على الله في أمر حفظنا وحفظ ذوينا وحفظ النعم التي نتمتع بها دون أن نخلق تخوفا مفرطا يحول بيننا وبين التمتع بتلك الأمور التي تستحق شكر الله عز وجل والحمد له والثناء عليه، وألا يحيلنا هذا التخوف عند التعرض لأي عارض صحي أو غير صحي يهدد سلامة ما نمتلك أو يهدد استدامته إلى الإصابة بالعين فقط مستبعدين أية أسباب أخرى قد تكون بالفعل هي السبب الرئيس وراء ما أصبنا به أو ما تعرضنا له من سلبيات.

أخيرا يجب علينا كمسلمين أن نؤمن بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، والاكتفاء بعد تبني هذه القناعة بالدعاء والابتهال إلى الله أن يحفظنا ويرعانا فكفى بالله في هذا الشأن خير وكيل وكفى بالله فيه أيضا خير حافظ.

ahmed_baniqais@