أخلاقيات وتحديات التواصل الافتراضي في الثورة الذكية
الثلاثاء - 07 ديسمبر 2021
Tue - 07 Dec 2021
الكل يعي أن اجتياح وباء فيروس الكورونا «كوفيد 19» للعالم وتتابع موجات متحوراته التي لم تتوقف من وقت لآخر، قد غير نمط الحياة كثيرا ومنها التواصل المباشر إلى غير المباشر بمعنى ذكي افتراضي في المنظومة الرسمية التواصلية المجدولة والمبرمجة مع دخول تطبيقات تواصل جديدة تستطيع أن تحوي كما هائلا من المشاركين في العملية التواصلية وربطهم من مواقع مختلفة وبعيدة في ذات الوقت، تاركا التواصل وجها لوجه في حيرة نفسية ارتدادية رافضة له في فترة معينة إبان تفشي الوباء بشدة، وبقت رافضة من الداخل النفسي مع التعود بعد الفسح المربوط بضوابط وشروط؛ لأنها تثير المخاوف وتسمح للرجوع والتغيير.
التواصل الافتراضي الذكي المبرمج مع ما يملكه من إيجابيات والتي يراها البعض أنها تفوقت وأحدثت نقلة تغييرية مهمة في ظل الظروف التي صنعته، إلا أنه في المقابل يراوح نحو السلبيات في ظروف معينة أظهرتها الدراسات العلمية والبحثية الاستقصائية وأيضا التجارب التي عايشها الجميع، فلا يمكن الجزم بتاتا أن التواصل الافتراضي «وهو نقلة اضطرارية بما صاحبه من تحديات» سيكون البديل النهائي للتواصل المباشر خلال تجربته القصيرة للارتقاء مثلا بالتعليم في مراحله الأولى وما بعدها، إنما التنظيم والتدرج والتقييم والتحديث والتصحيح والتطوير في التواصل الافتراضي مهم أن ينحى منحى آخر في دمجه مع التواصل المباشر.
«آن جارتنر» وزملاؤها من الجامعة التقنية في درسدن الألمانية، تتحدث في بحثها المنشور في سبتمبر 2021 بعنوان «التعليم الرقمي: فرصة أم تحد؟» بأن التعليم الرقمي بدأ «بتحد» نتيجة الظروف التي مر بها وما أعاقه بسبب الإمكانيات والترتيبات والتصرفات الحياتية المصاحبة وانخفاض مستوى التحكم وقلة التركيز بخلاف التعليم المباشر وجها بوجه، وهي مقتنعة أن التعلم المدمج الذي يجمع بين التعليم في الفصول الدراسية والتعليم الرقمي يمكن أن يكون وسيلة معرفية واعدة في المستقبل، فالتعليم وجها لوجه على سبيل المثال يساعد على التركيز بشكل أكبر نحو التفاعل والتبادل المعرفي الجماعي، بينما الرقمي يفتقد للتركيز والتحكم في المجموعات الكبيرة إلا أنه أصبح لاحقا يمثل الفرصة في التعلم الفردي المرن النابع من الالتزام والرغبة، وتعزو «جارتنر» الأمر لأسباب منطقية وتعطيه بعدا مستقبليا مفيدا لدى الكثيرين لمواصلة التعليم في أي وقت وفي أي مكان سواء على الطريق أو في غرفة الانتظار أو في القطار أو في المنزل بسبب الحفظ للبيانات والتسجيل وسهولة الرجوع للمحاضرات.
من جهة أخرى نفسية لها تأثير غير مباشر على الثقة والإبداع بالنسبة لأحد أدوات التواصل الافتراضي، يشير بحث جديد أجرته «أليسون غابرييل» وزملاؤها في كلية الإدارة بجامعة أريزونا ومنشور في يونيو 2021 بعنوان «يمكن أن يؤدي إيقاف تشغيل الكاميرات أثناء الاجتماعات الافتراضية إلى تقليل الإجهاد» بحيث إن هناك دائما افتراضا بأنه إذا كانت الكاميرا قيد التشغيل أثناء الاجتماعات فسيكون المشارك أكثر تفاعلا، وهو ما يؤخذ عليه بفرض الانصياع لتشغيل الكاميرات؛ لأن هناك الكثير من ضغوط العرض الذاتي المرتبطة بالتواجد أمام الكاميرا وما يحتاجه من ترتيبات خاصة بالتفرد والخصوصية التي يصعب أحيانا توافرها في الموقع، وقد تمت التجربة واستمرت أربعة أسابيع شملت 103 مشاركين وأكثر من 1400 ملاحظة، فوجدت «غابرييل» أنه من المتعب بالفعل تشغيل الكاميرا الخاصة بالمشارك خلال اجتماع افتراضي.
المحصلة بين البحثين أو الدراستين تبقي تأرجح الإيجابيات والسلبيات ما بين الارتفاع والانخفاض تحت مفهوم التناسب العكسي أو الطردي حسب الظروف الزمانية والمكانية والالتزام والأهمية والمسؤولية، مع عدم إغفال الجوانب الأخلاقية في التعامل مع التواصل الافتراضي أو المدمج، وتقدير حقوق الملكية الفكرية في النقل والنسخ وغيره من الأمور المتعلقة بعدم الفسح والنشر حسب نوعية التواصل وارتباطاته بالأنشطة والخصوصيات والأسرار.
ومرورا بالثورة الصناعية الرقمية الذكية الرابعة «ونحن على حافة النهاية لها كما يراها البعض بعد أن بدأت عام 2011 بمبادرة من الحكومة الألمانية» وهي مندفعة بقوة وبسرعة في التعلم الآلي نحو التعلم العميق، وهو ما يتوجس منه مؤيدو سن القوانين الأخلاقية للذكاء الاصطناعي بسبب عزل الإنسان في التعلم العميق واحتمال إحداث شرخ في الحياة والتنمية، بخلاف النظرة التي يراها منظرو الثورة الصناعية الخامسة القادمة بضرورة تطوير الذكاء الجماعي الهجين بين الإنسان والآلة، والسبب يكمن في الموازنة والسلامة بما تعنيه من حركة كونية وبيئية تتأثر بحياة الإنسان وتفاعله.
فالتواصل الافتراضي هو نتاج واضح ظهر في عصر الثورة الصناعية الرابعة الرقمية الذكية ويخدمها أيضا بما يخص البيانات وإدارتها، فتطبيقاته المتنوعة التنافسية تديرها منصات الذكاء الاصطناعي، ويتم حفظ بياناته بطبيعة الحال في الخوادم ضمن البيانات البليونية المتزايدة لحظيا، والتي يمكن تحليلها مثلا من خلال الجيل الثالث GPT-3 وما سوف يأتي بعده من أجيال وبرمجيات للتنبؤ اللغوي دعما للتعلم الآلي والعميق للشبكة العصبية، وعليه سيأتي يوم ما وليس ببعيد لقياس الكثير من الأمور المتعلقة بالمشاركين واستخدام بياناتهم وتحليلها والاستفادة من نتائجها استراتيجيا وتخطيطيا إيجابيا وقد يكون استثماريا سلبيا للهيمنة والتحكم في مصير واقتصاديات العالم.
والمشاركون في التطبيقات التواصلية مرتبطون بعناوين بريدية الكترونية وهي مرتبطة بشبكة برامج كثيرة وتطبيقات تواصلية تحوي سيرهم الذاتية وتفاعلاتهم وبحثهم عن المعلومات وإبداعاتهم من تفاهاتهم لدراسة شخصياتهم وتفكيرهم وتوجهاتهم، ليتم برمجتهم بالذكاء الاصطناعي، وهو ما ينظر إليه بتعدي الخصوصية والمناداة لحمايتها بسن قوانين ومواصفات الالتزام بأخلاقيات التعامل المحجمة لانفلات الذكاء الاصطناعي بدون قيود.
zuhairaltaha@
التواصل الافتراضي الذكي المبرمج مع ما يملكه من إيجابيات والتي يراها البعض أنها تفوقت وأحدثت نقلة تغييرية مهمة في ظل الظروف التي صنعته، إلا أنه في المقابل يراوح نحو السلبيات في ظروف معينة أظهرتها الدراسات العلمية والبحثية الاستقصائية وأيضا التجارب التي عايشها الجميع، فلا يمكن الجزم بتاتا أن التواصل الافتراضي «وهو نقلة اضطرارية بما صاحبه من تحديات» سيكون البديل النهائي للتواصل المباشر خلال تجربته القصيرة للارتقاء مثلا بالتعليم في مراحله الأولى وما بعدها، إنما التنظيم والتدرج والتقييم والتحديث والتصحيح والتطوير في التواصل الافتراضي مهم أن ينحى منحى آخر في دمجه مع التواصل المباشر.
«آن جارتنر» وزملاؤها من الجامعة التقنية في درسدن الألمانية، تتحدث في بحثها المنشور في سبتمبر 2021 بعنوان «التعليم الرقمي: فرصة أم تحد؟» بأن التعليم الرقمي بدأ «بتحد» نتيجة الظروف التي مر بها وما أعاقه بسبب الإمكانيات والترتيبات والتصرفات الحياتية المصاحبة وانخفاض مستوى التحكم وقلة التركيز بخلاف التعليم المباشر وجها بوجه، وهي مقتنعة أن التعلم المدمج الذي يجمع بين التعليم في الفصول الدراسية والتعليم الرقمي يمكن أن يكون وسيلة معرفية واعدة في المستقبل، فالتعليم وجها لوجه على سبيل المثال يساعد على التركيز بشكل أكبر نحو التفاعل والتبادل المعرفي الجماعي، بينما الرقمي يفتقد للتركيز والتحكم في المجموعات الكبيرة إلا أنه أصبح لاحقا يمثل الفرصة في التعلم الفردي المرن النابع من الالتزام والرغبة، وتعزو «جارتنر» الأمر لأسباب منطقية وتعطيه بعدا مستقبليا مفيدا لدى الكثيرين لمواصلة التعليم في أي وقت وفي أي مكان سواء على الطريق أو في غرفة الانتظار أو في القطار أو في المنزل بسبب الحفظ للبيانات والتسجيل وسهولة الرجوع للمحاضرات.
من جهة أخرى نفسية لها تأثير غير مباشر على الثقة والإبداع بالنسبة لأحد أدوات التواصل الافتراضي، يشير بحث جديد أجرته «أليسون غابرييل» وزملاؤها في كلية الإدارة بجامعة أريزونا ومنشور في يونيو 2021 بعنوان «يمكن أن يؤدي إيقاف تشغيل الكاميرات أثناء الاجتماعات الافتراضية إلى تقليل الإجهاد» بحيث إن هناك دائما افتراضا بأنه إذا كانت الكاميرا قيد التشغيل أثناء الاجتماعات فسيكون المشارك أكثر تفاعلا، وهو ما يؤخذ عليه بفرض الانصياع لتشغيل الكاميرات؛ لأن هناك الكثير من ضغوط العرض الذاتي المرتبطة بالتواجد أمام الكاميرا وما يحتاجه من ترتيبات خاصة بالتفرد والخصوصية التي يصعب أحيانا توافرها في الموقع، وقد تمت التجربة واستمرت أربعة أسابيع شملت 103 مشاركين وأكثر من 1400 ملاحظة، فوجدت «غابرييل» أنه من المتعب بالفعل تشغيل الكاميرا الخاصة بالمشارك خلال اجتماع افتراضي.
المحصلة بين البحثين أو الدراستين تبقي تأرجح الإيجابيات والسلبيات ما بين الارتفاع والانخفاض تحت مفهوم التناسب العكسي أو الطردي حسب الظروف الزمانية والمكانية والالتزام والأهمية والمسؤولية، مع عدم إغفال الجوانب الأخلاقية في التعامل مع التواصل الافتراضي أو المدمج، وتقدير حقوق الملكية الفكرية في النقل والنسخ وغيره من الأمور المتعلقة بعدم الفسح والنشر حسب نوعية التواصل وارتباطاته بالأنشطة والخصوصيات والأسرار.
ومرورا بالثورة الصناعية الرقمية الذكية الرابعة «ونحن على حافة النهاية لها كما يراها البعض بعد أن بدأت عام 2011 بمبادرة من الحكومة الألمانية» وهي مندفعة بقوة وبسرعة في التعلم الآلي نحو التعلم العميق، وهو ما يتوجس منه مؤيدو سن القوانين الأخلاقية للذكاء الاصطناعي بسبب عزل الإنسان في التعلم العميق واحتمال إحداث شرخ في الحياة والتنمية، بخلاف النظرة التي يراها منظرو الثورة الصناعية الخامسة القادمة بضرورة تطوير الذكاء الجماعي الهجين بين الإنسان والآلة، والسبب يكمن في الموازنة والسلامة بما تعنيه من حركة كونية وبيئية تتأثر بحياة الإنسان وتفاعله.
فالتواصل الافتراضي هو نتاج واضح ظهر في عصر الثورة الصناعية الرابعة الرقمية الذكية ويخدمها أيضا بما يخص البيانات وإدارتها، فتطبيقاته المتنوعة التنافسية تديرها منصات الذكاء الاصطناعي، ويتم حفظ بياناته بطبيعة الحال في الخوادم ضمن البيانات البليونية المتزايدة لحظيا، والتي يمكن تحليلها مثلا من خلال الجيل الثالث GPT-3 وما سوف يأتي بعده من أجيال وبرمجيات للتنبؤ اللغوي دعما للتعلم الآلي والعميق للشبكة العصبية، وعليه سيأتي يوم ما وليس ببعيد لقياس الكثير من الأمور المتعلقة بالمشاركين واستخدام بياناتهم وتحليلها والاستفادة من نتائجها استراتيجيا وتخطيطيا إيجابيا وقد يكون استثماريا سلبيا للهيمنة والتحكم في مصير واقتصاديات العالم.
والمشاركون في التطبيقات التواصلية مرتبطون بعناوين بريدية الكترونية وهي مرتبطة بشبكة برامج كثيرة وتطبيقات تواصلية تحوي سيرهم الذاتية وتفاعلاتهم وبحثهم عن المعلومات وإبداعاتهم من تفاهاتهم لدراسة شخصياتهم وتفكيرهم وتوجهاتهم، ليتم برمجتهم بالذكاء الاصطناعي، وهو ما ينظر إليه بتعدي الخصوصية والمناداة لحمايتها بسن قوانين ومواصفات الالتزام بأخلاقيات التعامل المحجمة لانفلات الذكاء الاصطناعي بدون قيود.
zuhairaltaha@